تداعيات مشروع سد بسري: كفاح عائلة ناحولي للحصول على تعويض يكشف عن ثغرات في تدابير العناية الواجبة بالبنك الدولي

تداعيات مشروع سد بسري: كفاح عائلة ناحولي للحصول على تعويض يكشف عن ثغرات في تدابير العناية الواجبة بالبنك الدولي

مريم نحولي تتحدث خلال جلسة عنوانها “العوائق التي تحول دون الوصول إلى المساءلة في المشروعات التي تمولها مجموعة البنك الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”– منتدى سياسات المجتمع المدني الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي  وصندوق النقد الدولي في مراكش 2023.

 

كانت مريم نحولي ووالدها محمد نحولي وأخوها نديم نحولي وأختها يارا نحولي يمتلكون بستاناً في قرية الميدان في لبنان. لكن مجرى حياتهم انقلب رأساً على عقب عندما اشتملت أراضيهم ضمن حدود مشروع زيادة إمدادات المياه (مشروع سد بسري)  الذي تم تمويله من قبل البنك الدولي.

بدأت محنة عائلة نحولي في عام 2018، حيث كان استملاك أرضهم يعني أكثر من مجرد فقدان قطعة أرض؛ كان ذلك يعني فقدان مصدر أساسي للعيش. كان هذا البستان يدر دخلاً سنويًا قدره 100 ألف دولار، وهو أمر بالغ الأهمية للاستقرار المالي للأسرة. وقد أثرت هذه الخسارة بشكل كبير، خاصة على والدهم، الذي يعتمد الآن على تقاعد شهري ضئيل قدره 120 دولارًا، وللأسف، ما زال التعويض الذي يستحقونه لم يُصرف لهم حتى اليوم.

ومنذ ذلك الحين، واجهت عائلة نحولي صعوبات مالية ومعارك قانونية طاحنة. في 28 مارس عام 2018، أصدرت لجنة قانونية حكمًا يقدر قيمة قطعتي أرضهم، وهما القطعة رقم 871 والقطعة رقم 870.

لكن هذا التقييم كان مبنيًا على حال البستان في عام 2013، ولم يأخذ في الاعتبار القيمة الفعلية للبستان، بما في ذلك المزروعات والأشجار المثمرة، وأنظمة الري والعمل المستثمر في صيانته. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم حساب سطح النهر الذي كان جزءًا من أراضيهم على الرغم من وثائق الملكية التي تؤكد حقوقهم فيه.

استأنفت عائلة نحولي الحكم الابتدائي، وأسفرت المحاكمة الثانية في نوفمبر 2018 عن زيادة في السعر لكل متر مربع و الاعتراف بحقوق ملكية العائلة لسطح النهر.

في أغسطس 2019، عندما بدا السداد وشيكًا أخيرًا، طلب مجلس الإنماء والإعمار مستندات مختلفة، بما في ذلك دفعة مالية قدرها 97,346,000 ليرة لبنانية (64,254 دولارًا بمعدل 1 دولار = 1515 ليرة لبنانية) مستحقة لوزارة المالية اللبنانية.

في سبتمبر من عام 2019، قدمت العائلة الأوراق المطلوبة وسددت المستحقات المالية، لكن مجلس الإنماء والإعمار لم يأخذ بعين الاعتبار قرار محكمة الاستئناف الصادر في نوفمبر 2018 بل استند إلى نتائج المحاكمة الابتدائية الصادرة في مارس 2018 لتقدير مبلغ الدفع الجديد، مما أدى إلى خفض قيمة الأرض واستثناء سطح النهر. في مواجهة وضع يبدو أنه مستعص وأزمة اقتصادية في لبنان، اضطرت عائلة النحولي إلى قبول مبلغ التعويض المقترح مع تحفظات، و وقعوا على الاتفاقية رغم اعتراضاتهم.

في شهري يناير وفبراير 2020، تلقت عائلة نحولي شيكات بقيمة (576،410،070) ليرة لبنانية (ثمن القطعة رقم 870) و (2،518،455،690) ليرة لبنانية (ثمن القطعة رقم 871) لكن تم تجميد هذه الأموال لدى المصرف بسبب الأزمة الاقتصادية في لبنان.

قام المجلس اللبناني للإنماء والإعمار، بتأجيل مواعيد الدفع مرارًا وتكرارًا، بحجة عدم وجود أموال والحاجة إلى المزيد من تمويل البنك الدولي، فرفعت العائلة دعوى قضائية ثالثة في يوليو 2020 للحصول على تعويض عن التأخير المطول في المدفوعات.

لا تستطيع عائلة نحولي الوصول إلى الدفعة الأولى التي لا تزال محجوزة في البنك ولم تتلق المبلغ المتبقي غير المسدد حتى الآن. 

المبلغ المحدد (بالليرة اللبنانية)

المدفوع (بالليرة اللبنانية)

المتبقي (بالليرة اللبنانية)

قطعة الأرض #870 907,350,000 576,410,070¹ ²($218,442) 330,939,930 
قطعة الأرض #871 3,288,370,000 2,518,455,690¹ ²($508,195) 769,914,310 

*شيك الدفع لم يتوافق مع المبلغ المحدد في الحكم*

¹ المبلغ المدفوع محجوز في البنك ولا يمكن سحب سوى 5،000،000 ليرة لبنانية شهريًا من البنك، وسعر التحويل إلى الدولار هو 1 دولار = 82،000 ليرة لبنانية (اعتبارًا من 03/05/2023، حصلت تغييرات كبيرة منذ الانهيار الاقتصادي في لبنان.)

 ² السعر المستخدم هنا هو 1 دولار = 1515 ليرة لبنانية وهو السعر قبل الانهيار الاقتصادي.

تعبر ميريام النحولي بحزن عن وضعهم قائلة: “بادئ ذي بدء، كان كان بستاننا مشروع العمر ومن المحزن أن نراه في مثل هذه الحالة المزرية.  لا يمكن قياس الضرر المعنوي الذي تعرضنا له، ليس فقط لأنه كان قطعة أرض زرعناها و رعيناها وأنبتناها وإعتنينا به ولكن أيضًا بسبب العبء الذهني الناجم عن السنوات القليلة الماضية. يُنفق الكثير من الوقت والطاقة بين المطاردة للحصول على المال والدعوى القضائية. بالإضافة إلى هذا الضرر المعنوي، نواجه أيضًا ضررًا ماليًا كبيرًا.”

الشكاوى المقدمة

في ضوء التجارب المحبطة التي مرت بها عائلة الناحولي، قررت مريم تقديم شكوى إلى خدمة معالجة المظالم في سبتمبر 2021. وتعد خدمة معالجة المظالم (GRS) آلية للأفراد والمجتمعات المحلية لتقديم شكاواهم مباشرة إلى البنك الدولي إذا رأوا أن مشروعاً يسانده البنك قد يؤثر – أو من المحتمل أن يؤثر سلباً – عليهم أو على مجتمعهم المحلي أو بيئتهم.

قررت GRS أن البنك لا يمكنه معالجة القضايا المتعلقة بانخفاض قيمة الليرة اللبنانية والانتهاكات العديدة لخطة عمل إعادة التوطين (RAP). وخلصوا إلى أن هذا الأمر يجب أن يتم التعامل معه من قبل الدولة اللبنانية وليس البنك. واوصوا الأسرة بالحصول على تصريح من وزارة المالية اللبنانية، وهو أمر غير ممكن لأن الأرض لم تعد في حوزتهم. وعلى الرغم من تأكيدهم في يونيو 2022 بتقديم المساعدة للحصول على التصريح من وزارة المالية اللبنانية، إلا أنهم لم يتلقوا أي رد منهم حتى الآن.

تقدمت مريم بشكوى أخرى في 7 مارس 2023، هذه المرة إلى هيئة التفتيش، وهي آلية شكاوى مستقلة للأشخاص والمجتمعات التي تعتقد أنها تأثرت أو من المحتمل أن تتأثر سلبًا بمشروع يموله البنك الدولي.

غير أن الهيئة رأت أن الطلب غير مقبول، نظرًا لأن المشروع المعني قد تلقى بالفعل تمويلًا كاملاً. وبالتالي، صدر إشعار بعدم التسجيل في 17 أبريل 2023.

أين ذهبت أموال التعويض؟

يكشف نضال عائلة ناحولي المستمر من أجل الحصول على تعويض عادل عن مشكلة أعمق، فالحكومة اللبنانية تلقت تمويلًا كاملاً بالدولار الأمريكي لدعم خطة إعادة التوطين، بما في ذلك التعويض المستحق لمالكي الأراضي. ومع ذلك، تم تعويض عائلة ناحولي بعملة محلية فقدت قيمتها، دون أي تعديل يأخذ في الاعتبار الأزمة الإقتصادية التي وقعت في لبنان، الشيء الذي يعكس سوء إدارة هذه الأموال.

الدفعة الأولية للأسرة محتجزة حاليًا لدى البنك، وما زالوا ينتظرون صرف باقي التعويضات غير المدفوعة. والسؤال الملح الذي يبقى مطروحا هو: أين ذهبت الأموال؟

المؤسسات المالية مثل البنك الدولي مسؤولة عن أكثر من مجرد توفير رأس المال؛ يجب عليها أيضًا ضمان استخدامه بشكل عادل وشفاف. هذا مهم لمنع الفساد وحماية حقوق الناس الذين تعتمد حياتهم ومعاشاتهم على هذه المشاريع. ينبغي أن تُعد محنة عائلة ناحولي حافزًا للبنك الدولي لتعزيز آليات المراقبة والمساءلة لديه لضمان عدم سوء استخدام أمواله، بل لتحقيق التغيير الإيجابي الذي خصصت له.

 في مقابلة في 5 أغسطس 2019، صرح ساروج كومار جاه، الذي كان آنذاك المدير الإقليمي، دائرة الشرق الأوسط، بمجموعة البنك الدولي، والآن المدير العالمي الحالي  لقطاع الممارسات العالمية للمياه في البنك الدولي، قائلاً: “تم تصميم المشروع وفقا لأفضل الممارسات الدولية للحد من التأثيرات على المجتمعات المحلية.”

و أضاف قائلا: “أما من سيتأثرون بالمشروع، فقد تم أخذهم في الحسبان، ووضعت تدابير لضمان استمرار مصادر عيشهم ومعالجة مخاوفهم. ولا تزال عملية إستملاك الأراضي جارية وتشمل 861 من مالكي الأراضي، منهم 96 فقط يعيشون في المنطقة ويعتمدون على الأرض جزئيا في دخلهم وسبل عيشهم. ويتم منح مالكي الأراضي تعويضات نقدية محسوبة بتكلفة الاستبدال وفقا لسياسات البنك الدولي. وستقدم مساعدات إضافية للمساندة في استعادة الدخل وإعادة تأهيل سبل العيش حسب الحاجة.”

وأكد  جاه أنه “سيتم منح مالكي الأراضي تعويضات نقدية محسوبة بتكلفة الاستبدال وفقا لسياسات البنك الدولي. وستقدم مساعدات إضافية للمساندة في استعادة الدخل وإعادة تأهيل سبل العيش حسب الحاجة.”

ولكن عائلة نحولي الذين فقدوا سبل عيشهم لم يتلقوا المساعدة الموعودة. وهذا تركهم يتعاملون مع الخسائر المالية و يكافحون من أجل استرداد حقهم. فيما تخشى العائلات الأخرى التي تواجه مشاكل مماثلة التعبير عن مخاوفها، مما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا.

بقلم مرية سحنوني

Sharing is caring!