اقتصاديات صندوق النقد الدولي الكسولة لن تنقذ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

اقتصاديات صندوق النقد الدولي الكسولة لن تنقذ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

مظاهرة ضد سياسات مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي خلال الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي عقدت في مراكش في الفترة من 9 إلى 15 أكتوبر2023. مصدر الصورة: جريدة العمق المغربي


تعيش الدول النامية واقع أزمة الديون العالمية، حيث تقف على شفا هاوية من الديون التي تتزايد بلا توقف. فمع حلول 2022، تجاوزت الديون العالمية الـ90 مليار دولار، اي ما يمثل ارتفاعا بخمسة أضعاف مقارنة بمستويات 2020. وحاليا، يعيش ما يقرب من نصف البشرية في دول تخصص قسطا كبيرا من مواردها العامة لخدمة الديون عوض عن صرفها على الخدمات العامة.

في هذا الإطار، يسعى تحالف آراب واتش من خلال هذا التحليل إلى تقديم تقييم لبرامج صندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا سيما في ظل الأزمة المستمرة للديون التي تواجه هذه المنطقة عقب الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدولي في أكتوبر 2023. من خلال تركيز المناقشة على دور الصندوق واستراتيجياته، نسعى لتقديم رؤى حول البدائل الأكثر استدامة والمقاربات الأكثر إنصافاً.

التشخيص الأول: صندوق النقد الدولي لا يزال  متشبثا بالتدابير التقشفية 

بحلول نهاية الاجتماعات السنوية، طور تحالف آراب واتش تشخيصًا واضحًا لبرامج صندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – إنها اقتصاديات كسولة.

ضبط المالية العامة في حلة جديدة

بينما يروج صندوق النقد الدولي لضرورة الابتعاد عن سياسات التقشف المالي، فإن واقع الحال في العديد من الدول الفقيرة يقدم صورة مغايرة تمامًا. ففي هذه الدول، لا تزال سياسات التقشف التي يدعمها الصندوق تسيطر على المشهد الاقتصادي، مع إيلاء القليل من الاهتمام للظروف الاجتماعية والاقتصادية في الدول الفقيرة.

ورغم أن ضبط الموازنة قد يقود إلى استقرار مالي قصير المدى، فإن الأدلة تشير إلى أن مثل هذه التدابير تلحق أضرارا كارثية بالنسيج الاجتماعي، حيث يتم تقليص الإنفاق على التعليم والصحة البرامج  الاجتماعية، مما يؤثر سلبا على الفئات الهشة في المجتمع أكثر من غيرها، علاوة على الأضرار التي تسببها الضرائب التراجعية. إن هذه الإجراءات- التي تعتمدها الحكومات على نطاق واسع والتي يواصل الصندوق في فرضها- تتسبب في تكلفة اجتماعية واقتصادية باهظة. 

نظرة عن قرب في البلدان النامية 

ارتفع الدين الخارجي في المنطقة العربية بشكل كبير بين عامي 2010 و2021، من 23 بالمائة إلى 27 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 71 بالمائة و122 بالمائة من قيمة الصادرات، وهو ما يؤشر على تفاقم الدين مقارنة بالنمو الاقتصادي. وفي 2021، واجهت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات جمة مع ارتفاع خدمة الدين الخارجي إلى 33 مليار دولار، شملت كلا من مدفوعات أصل الدين والفائدة.  و لتوضيح مدى تفاقم أزمة الدين : بلغت خدمة الديون في تونس في نفس العام ربع نفقات الحكومة، بينما مثلت الخمس في اليمن. كما ارتفعت كلفة فائدة الديون في السودان ومصر والمغرب لتمثل حوالي 16.3 بالمائة من الإنفاق العام . ولا توضح هذه الأرقام مدى العبء المالي الذي تمثله خدمة الديون فقط، بل تسلط الضوء كذلك على حجم الموارد التي كان من المفروض توجيهها نحو المجالات الحيوية للاستثمار العام. من المهم لفت النظر إلى أنه في مواجهة هذه الديون الضخمة، قام صندوق النقد الدولي بتعبئة الموارد المالية عبر حقوق السحب الخاصة لدعم الاقتصادات المتأثرة من الجائحة. على الرغم من أن تخصيصها ساعد في توفير بعض السيولة للحكومات التي تعاني من ضائقة مالية، إلا أن التوزيع كان مائلاً بشكل كبير نحو الاقتصادات المتقدمة. من أصل 650 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة التي تم توزيعها، حصلت الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط في المنطقة – والتي تعتبر محورًا رئيسيًا لهذا التحليل – على حوالي 15 مليار دولار فقط.

تتصاعد مدفوعات الفائدة في الدول النامية بالمنطقة بشكل مقلق، حيث باتت تتجاوز الميزانيات المخصصة لقطاعات حيوية مثل مثل الرأسمال البشري والاستثمار الاجتماعي، ويتضح هذا المنحى كذلك في الرسوم الإضافية التي يفرضها صندوق النقد الدولي.

وهي عبارة عن أعباء مالية تضاف إلى القروض التي تتجاوز سقفا معينا أو التي تم تمديدها. ويتم استخلاص هذه الرسوم علاوة على خدمة الدين وأداء الفوائد. فعلى سبيل المثال، تكلفة الرسوم الإضافية في مصر أكثر من 167 مليون دولار سنويا، وهو مبلغ كان يمكن  توجيهه لتمويل البرامج الاجتماعية الأساسية. إن الأثر التراكمي للرسوم الإضافية بالغ، حيث من المتوقع أن ترتفع مدفوعات فوائد الديون المترتبة على الرسوم الإضافية إلى حوالي 7.9 مليار دولار بالنسبة للدول المعنية ما بين 2021 و2028. وتتسبب  هذه الرسوم في اثقال كاهل دول تعاني من ضائقة الديون كما أنه من شأنها كذلك أن تحد من قدراتها على تخصيص الموارد الضرورية لتحقيق التنمية ومحاربة الفقر. هذا يُظهر أن الدين ليس بغير اجتماعي – على خلاف ما يستمر صندوق النقد الدولي في الإيحاء به.

التشخيص الثاني: تغييب الاقتصاد النسوي في إعداد البرامج  

تحليل السياسات التقشفية من خلال منظور نسوي يسلط الضوء على الآثار المتباينة لهذه السياسات على الرجال والنساء، خاصة في مجال العمل الرعائي الذي تشارك فيه النساء بشكل كبير في المنطقة.

يكشف هذا المنهج كيف أن السياسات المالية التقشفية تزيد من عبء العمل الرعائي مثل رعاية الأطفال، ورعاية المسنين، والتمريض، وإدارة الأعمال المنزلية بشكل عام. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تتحمل النساء نصيبًا أكبر من هذا العمل، حيث غالبًا ما يقضين ما يصل إلى خمس مرات أكثر في هذه المهام مقارنة بالرجال. عندما تُخفض الخدمات العامة بسبب التقشف، يزداد عادة الطلب على العمل الرعائي غير المدفوع، مما يضع عبئًا إضافيًا على النساء. 

تظهر هذه التأثيرات من خلال منظورين. أولاً، مع محدودية الرعاية الصحية العامة، تواجه النساء، اللاتي يعانين بالفعل من متطلبات العمل الرعائي غير المدفوع، تحديات إضافية في الوصول إلى الخدمات الصحية الضرورية لهن ولعائلاتهن. يمكن أن يؤدي نقص خدمات الرعاية الصحية المتاحة في الوقت نفسه إلى تفاقم الضغط الجسدي والنفسي الناتج عن أعمالهن غير المدفوعة. ثانيًا، عندما يتم تقليص خدمات التعليم للنساء كجزء من التقشف، يؤثر ذلك بشكل حاد على قوتهن الاقتصادية. يجبر هذا التخفيض النساء والفتيات على تحمل المزيد من الأعمال الرعائية غير المدفوعة، بينما تتناقص فرص التعليم وتصبح الخدمات العامة أقل إمكانية للوصول. ونتيجة لذلك، لا يقتصر الأمر على تعزيز عدم المساواة بين الجنسين، بل يعيق أيضًا إمكانية استقلال النساء اقتصاديًا ومساهماتهن في المجتمع، مما يؤكد من جديد على دورة التحيز ضد النساء التي يدعي الصندوق أنه يحاربها.

التشخيص الثالث: اتباع نفس النهج لمعالجة جميع القضايا مقاربة فاشلة

لقد أخفق النهج الموحد الذي يتبعه صندوق النقد الدولي في برامج القروض في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مرارًا وتكرارًا، مما أثبت أنه غير فعال ومكلف. ويتضح أنه يتعين على الصندوق تبني استراتيجيات أكثر ملائمة لكل سياق على حدة من أجل تحقيق نتائج اجتماعية واقتصادية أفضل. 

فغالبا ما يملي صندوق النقد الدولي توجيهات لتقليص الإنفاق الحكومي، معتمدا على فرضيات تنبني على أن رفع الاستثمار العام عن طريق الشركات الحكومية مثلا قد يثني استثمارات القطاع الخاص الضرورية لتحقيق النمو الاقتصادي. في المقابل، تقتضي هذه الفرضية تقييما أكثر دقة، بالنظر إلى التأثير الذي يخلفه تخفيض الإنفاق الحكومي على قطاعات كالصحة والتعليم، باعتبارهما مجالات يلعب فيها الاستثمار العام دور المكمل وليس البديل للقطاع الخاص، مساهما بذلك في تحسين الرفاه الاجتماعي والاقتصادي والإنتاجية. لذا، فإنه من الضروري إجراء تقييم لآثار الإنفاق على أساس كل سياق على حدة عوض الاكتفاء بشروط موحدة. 

كما يبرز التوظيف في القطاع الحكومي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضرورة اعتماد هذه المقاربة المنقحة، بحكم موقع القطاع العام كأكبر مصدر للعمل خاصة بالنسبة للنساء، حيث أنه يوفر أجورًا أكثر عدالة والامتيازات والاستقرار الوظيفي مقارنة بالقطاع الخاص. إلا أن الدعوة المستمرة من الصندوق لتقليص كُتلة الأجور في القطاع العام لضبط الموازنة خلال أوقات الأزمات تجعله يُهمل الأثر الاجتماعي بشكل عام. ولا يمكن إنكار أن وجود عدد كبير من الموظفين في الوظيفة العمومية قد يؤدي إلى نقص الكفاءة، مثل ظاهرة “الموظفين الأشباح” والبيروقراطية، لكن المبالغة في المطالبة بتقليص الوظائف قد تؤدي إلى مخاطر كبيرة.

التشخيص الرابع: تفكيك العلاقة المعقدة بين برامج صندوق النقد الدولي واختلالات الحوكمة  في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

إن طبيعة المتأصلة لاتفاقيات القروض التي يمنحها صندوق النقد الدولي تتطلب انخراطا عميقا من طرف أنظمة الحكامة المحلية. تظهر المعلومات المستقاة من الاجتماعات السنوية نمطًا متكررًا – حيث يتجاهل الصندوق بشكل مستمر الخصائص المحددة لهذه الأنظمة، معتبرًا إياها ‘مسألة سيادية’. هذا التجاهل له عواقب وخيمة وبعيدة المدى.

ورغم أن صندوق النقد الدولي لا يتسبب في مشاكل حوكمة بشكل مباشر، إلا أن مقاربته للمساعدة المالية من شأنها أن تؤدي بطريقة غير مباشرة إلى تضخيم التحديات القائمة، ويتضح هذا عندما يتم منح قروض دون تمحيص للاختلالات المؤسساتية. إن أوجه الإهمال من هذا القبيل تبدو واضحة للعيان في سياق المشاريع أو التمويلات واسعة النطاق (mega projects). فقد اعترفت المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بأن المشاريع الكبرى في بعض الدول غالبا ما تفشل في المساهمة في التنمية، ما يجعل العديد من الدول تتخلف عن الاستجابة لحاجيات التنمية في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والبنى التحتية. 

ويمكن ربط مثل هذا الفشل للمشاريع الكبرى بشكل مباشر بالخلل المنهجي وعدم رغبة الصندوق في معالجة القضايا الملحة المتعلقة بسوء توجيه الموارد. ويشكل هذا الخلل على الخصوص مصدر حيرة. بالنظر إلى أن صندوق النقد الدولي من خلال مشروطيته ومشاورات “المادة الرابعة” في دول كلبنان وتونس يعترف بوضوح بالحاجة إلى الشفافية المالية وتدابير محاربة الفساد. وبناء على ذلك، يمكن طرح السؤال المحوري التالي: هل مقاربة الصندوق في محاربة الفساد كافية  وفعالة في المنطقة؟

ليس تماما، لأن أحد أكبر المخاطر المرتبطة بهذه المقاربة تكمن في أنها تعرض برامج الصندوق لخطر التوظيف السياسي. ففي الدول ذات الضوابط والتوازنات الضعيفة، يمكن لسياسات الصندوق أن تؤدي بطريقة غير مباشرة إلى إحكام قبضة بعض المجموعات أو الأفراد على السلطة. وغالبا ما تتجسد هذه الصورة عندما يقوم من في السلطة بتوظيف شروط الصندوق من أجل مصالحهم الخاصة مثل تبني سياسات مالية غير كافية وتراجعية وتشجيع سياسات تؤدي إلى تفاقم اللامساواة، وهو الوضع الذي يعاني منه لبنان مثلا، حيث شرط اعادة الهيكلة كان سطحي  مما سمح للقطاع المصرفي ذي الارتباط الوثيق بالنخب السياسية بالتهرب من الاعتراف بخسائره المالية الفادحة. وعلاوة على ذلك، طلب صندوق النقد الدولي  إصلاح عوض إلغاء قانون السرية المالية عندما تم التوقيع على الاتفاق في البداية، مما أدى إلى تبني نص قانوني واصل في حماية مصالح النخب وسهل من التهرب الضريبي والفساد المالي. ويبرز هذا المثال دور الديناميات المحلية في توسيع الفوارق في الثروة من خلال توظيف الشروط التي يفرضها الصندوق.

وختاما يستخلص أنه رغم  ترويج صندوق النقد الدولي لنفسه كفاعل غير سياسي، إلا أنه استفاد تاريخيا من دوره لتعزيز المصالح الجيوسياسية. وقد يكون أفضل مثال على ذلك هو الموافقة العاجلة على قرض بقيمة 2 مليار دولار لباكستان. ولو لم يكن للقرض دوافع سياسية بشكل كبير، لسمح بإجراء تقييم أكثر صرامة للقضايا الداخلية في باكستان، مما قد يدفع صندوق النقد الدولي إلى فرض تدابير أكثر فعالية لمكافحة الفساد أو ممارسة الرقابة كشرط للحصول على القرض. ومع ذلك، في مثل هذه الحالة، قد تكون هذه الاعتبارات ثانوية، مما يؤكد أن المصالح السياسية قد تطغى في بعض الحالات على اعتماد نهج أكثر شمولا للمساعدات الاقتصادية يتضمن المحاسبة الحوكمة.

الطريق قدما: من السياسات الاقتصادية الكسولة إلى الاقتصاد الدامج 

باختصار، يحتاج نهج صندوق النقد الدولي تجاه أزمة الديون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى إصلاح شامل. فالصيغ الاقتصادية البسيطة غير كافية وتميل إلى توسيع الفوارق الاجتماعية. ولمعالجة فعالة لإجحاف الديون والقضايا المتعلقة بالحوكمة، من الضروري اتباع نهج دقيق ومراع للفوارق الجندرية.

وللاستراتيجيات المالية أهمية حاسمة في حل هذه الأزمة، حيث تشمل التدابير الرئيسية اعتماد أنظمة ضريبية تصاعدية، مثل الضريبة على الثروة، لتمويل اقتصاد عادل، والحد من عدم المساواة، وضخ مداخيل لتخفيف عبء الديون. ولتقييم صحة الاقتصاد بشكل أكثر دقة، ينبغي اعتماد مؤشرات بديلة، بما في ذلك مؤشر التنمية البشرية، الذي يعطي رؤى أكثر وضوحا حول أحوال قطاعات الصحة والتعليم ومستويات المعيشة، مما يضمن مساهمة السياسات الاقتصادية في رفاهية الإنسان بشكل عام. كما أن المؤشرات الجندرية هامة أيضا لتسليط الضوء على الفوارق القائمة على النوع الاجتماعي، والتي يمكن أن تؤدي، عند معالجتها، إلى المزيد من الإنصاف والإنتاجية في سوق العمل. وبالفعل،  التحليل الاقتصادي النسوي من شأنه أن يؤكد على ضرورة النظر في التأثيرات الجندرية عند تقييم برامج صندوق النقد الدولي. وتمكن هذه المنهجية من عدم تجاهل تكلفة التدابير التقشفية، لا سيما في مجال العمل “غير المرئي” الذي تقوم به النساء.

و ينبغي لصندوق النقد الدولي أن يتبنى استراتيجية متخصصة. فبالفعل يمكن لكل من التوظيف الواسع وغير المنضبط والتقليص الهائل في عدد الموظفين الحكوميين أن يخلفا نتائج سلبية بعيدة المدى. لذا، من الضروري ومن الممكن إيجاد مسار استراتيجي وسط يقيم ويعالج بعناية الاحتياجات والتحديات الخاصة بكل بلد في المنطقة. وينبغي أن تتضمن الاستراتيجية جهدا تعاونيا بين الصندوق والحكومات المحلية وخبراء الاقتصاد الإقليميين ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل بشكل وثيق مع الفئات المهمشة لإعادة تنظيم الوظائف في القطاع العام. وينبغي أن تكون عملية إعادة التنظيم هذه مراعية للاعتبارات الجندرية وخاضعة للطلب، مع التركيز على القطاعات التي تتطلب التوسيع، مثل الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية والتعليم، لتعزيز تقديم الخدمات وتخصيص مناصب عمل. وقبل أي تقليص في كتلة الأجور، يجب توفير فرص إعادة التدريب والتكوين لضمان الرفع من جاهزية وإنتاجية الموظفين.

كما يتعين على صندوق النقد الدولي أن يناصر ويساهم في بلورة استراتيجيات تعزز نمو قطاع خاص مسؤول ومتنوع يتجاوز المقاربة الريعية ومراكمة الثروة. ولتحقيق هذا الهدف، يمكن الدفع في اتجاه تقديم تحفيزات ضريبية للاستثمارات في القطاعات الحيوية بما فيها الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والطاقة المستدامة. ومن شأن هذا النهج أن يشجع الشركات على استكشاف هذه المجالات الحيوية والاستثمار فيها. وعلاوة على ذلك، فإن تقديم المنح أو القروض المنخفضة الفائدة للشركات الصغيرة والمتوسطة في الصناعات الناشئة يمكن أن يحفز النمو. وإلى جانب هذه الحوافز المالية، من الضروري إنشاء إطار تنظيمي يدعم الابتكار في مجال الأعمال، ويقلل من الحواجز البيروقراطية، ويؤكد على الشفافية والمحاسبة.

بالإضافة إلى ذلك، تقتضي معالجة أزمة الديون الحد من الاعتماد على الدين الخارجي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعبئة الموارد المحلية وتعزيز الحوكمة. ويتطلب تعزيز تعبئة الموارد المحلية في المقام الأول الرفع من المداخيل الضريبية، وهو ما يمكن للحكومات تحقيقه من خلال توسيع القاعدة الضريبية، وضمان قيام الشركات والأفراد الأثرياء بأداء واجباتهم الضريبية بشكل عادل والحد من التهرب الضريبي. 

كما أن تعزيز فعالية الحكومة يعد عنصرا حاسما، ويشمل تبسيط عمليات القطاع العام وتقليص البيروقراطية ودعم الشفافية والمحاسبة في ما يتعلق بالإنفاق الحكومي، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار المنتج، لأن الاستثمارات لا تحفز النمو الاقتصادي فقط، بل تخدم كذلك التنمية الاجتماعية والاقتصادية على المدى الطويل. لقد حان الوقت ليتخلى صندوق النقد الدولي عن اقتصادياته الكسولة.

بقلم حسين شعيتو

Sharing is caring!