مقارنة بين الدعم النقدي والدعم العيني في مصر: تقييم الفعالية في حماية المواطنين من التضخم والفقر

المقدمة
نظام التموين، وهو شبكة توزيع السلع المدعومة التي تعمل من خلال بطاقات التموين، شكّل حجر الأساس لدولة الرفاهية في مصر منذ أوائل الستينيات. وبالإضافة إلى كونه يمثل الحصة الأكبر من الدعم المقدّم للمصريين، فقد كان الهدف منه توفير وسيلة ملموسة ومباشرة لدعم الدولة لشريحة واسعة من السكان. وقد برز الدور المركزي لنظام التموين في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي بشكل واضح خلال “انتفاضة الخبز” عام 1977، التي أبرزت أهميته في تحقيق السلام الاجتماعي.
اندلعت انتفاضة الخبز نتيجة إعلان حكومي بخفض وإلغاء الدعم المقدم عبر بطاقات التموين. وتمت السيطرة على الانتفاضة من خلال إرسال الجيش لإعادة السيطرة على المدن، ما اضطر الحكومة إلى التراجع عن إعلانها. هذا التحوّل الدراماتيكي، الذي أجبر الرئيس على التراجع عن قراره استجابةً لغضب شعبي واسع، جعل نظام التموين عمليًا “الخط الأحمر” في السياسة المصرية.
وبفضل ذلك، تمكّن البرنامج من الصمود في وجه أعتى الإصلاحات النيوليبرالية. فبينما شهدت جوانب أخرى من دولة الرفاهية تفكيكًا، لم تستطع الحكومات المتعاقبة إلا إدخال تعديلات طفيفة وتدريجية على هذا البرنامج الأساسي. حتى عام 2006، أظهرت استطلاعات الرأي التي قارنت نظام التموين بتحويلات نقدية مماثلة في القيمة أن أكثر من 85٪ من المشاركين يفضلون نظام التموين¹. وقد وجد الباحثون أن السبب الرئيسي وراء تفضيل نظام التموين هو حصانته ضد التضخم وأن نظام التحويلات النقدية سيكون بمثابة مدخل خفي لتقليص رفاهيتهم².
لطالما تعرّض البرنامج لانتقادات من قِبل البنك الدولي بسبب ما وصفه بتسربات ضخمة بلغت أكثر من 73% في عام 2010. وتركزت انتقادات البنك الدولي على محورين رئيسيين. أولًا، الشمولية الاسمية للبرنامج التي سمحت للمصريين الذين يعيشون فوق خط الفقر بالاستفادة منه. ثانيًا، تضاعف تكلفة البرنامج كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بين السنة المالية 2000 والسنة المالية 2010، على الرغم من الجهود المبذولة للحد من توسعه³. بناءً على ذلك، خلص البنك الدولي إلى أن برنامجًا نقديًا أكثر استهدافًا سيكون بديلاً أكثر كفاءة.
في عام 2014، وكجزء من إصلاح وإعادة هيكلة جزء كبير من منظومة الحماية الاجتماعية في مصر، تم تحويل نظام التموين إلى نظام مخصصات. وبدلًا من تلقي مجموعة من السلع الأساسية بأسعار مدعومة بشكل كبير لكل فرد من أفراد الأسرة، تم تقديم مخصصات بقيمة 15 جنيهًا مصريًا (حوالي 2 دولار أمريكي) لكل شخص شهريًا لشراء السلع من متاجر التموين بأسعار السوق الحرة. ومع مرور الوقت، زادت هذه المخصصات لتصل إلى 50 جنيهًا مصريًا لكل شخص بحلول منتصف عام 2017. على الرغم من أن هذه الإصلاحات غيرت آلية الدعم، إلا أنها حافظت على الأهلية الشاملة للنظام، مما يعني أن جميع المصريين، بغض النظر عن مستوى دخلهم، استمروا في التأهل للحصول على المخصصات.
لمعالجة احتياجات المصريين الأكثر فقرًا وضعفًا، أطلقت الحكومة برنامج “تكافل وكرامة” في عام 2015. ويُعتبر هذا البرنامج أول نظام حديث للتحويلات النقدية في البلاد، حيث يقدم تحويلات نقدية شهرية بقيمة 350 جنيهًا مصريًا (حوالي 40 دولارًا أمريكيًا) للشخص الواحد. يتكون برنامج “تكافل وكرامة” من عنصرين مميزين: “تكافل”، الذي يستهدف الأسر ذات الدخل المنخفض التي لديها أطفال، ويقدم تحويلات نقدية مشروطة مرتبطة بمتطلبات الصحة والتعليم، مثل ضمان حضور الأطفال للمدارس وإجراء الفحوصات الصحية المنتظمة؛ و”كرامة”، الذي يقدم تحويلات نقدية غير مشروطة لكبار السن (من عمر 65 عامًا فما فوق)، والأفراد ذوي الإعاقة، والأيتام. تهدف هذه المكونات معًا إلى التخفيف من أشد آثار الإصلاحات الاقتصادية على الأسر التي تعيش في ظروف “بالغة الهشاشة”.
عمل نظام التموين وبرنامج تكافل وكرامة جنبًا إلى جنب، حيث استمر الأول في تقديم الدعم الشامل، بينما قدّم الثاني دعمًا موجهًا للفئات الأكثر ضعفًا. وبسبب الفارق الكبير في حجم المدفوعات والنهج المستهدف، أصبح برنامج تكافل وكرامة مكونًا أساسيًا في شبكة الأمان الاجتماعي في مصر للأسر الأكثر فقرًا. ومع ذلك، استمر نظام التموين، رغم إعادة هيكلته ليصبح نموذجًا نقديًا، في العمل كدعم شامل إلى جانب برنامج تكافل وكرامة. ومع مرور الوقت، واجه كلا البرنامجين تحديات مرتبطة بالتضخم، حيث تراجعت القوة الشرائية للتحويلات النقدية مع ارتفاع الأسعار، مما أبرز التحديات المرتبطة بالتحول إلى أنظمة رفاهية قائمة على النقد.
ستقارن هذه الدراسة النموذج القائم على النقد بالنموذج التقليدي القائم على السلع لتقييم فعالية كل منهما في تحقيق الأهداف السياسية. وبناءً على ذلك، ستقدم الدراسة توصيات ذات صلة خاصة بصانعي السياسات، وكذلك بمسؤولي صندوق النقد الدولي، في إطار جهودهم لتشكيل البنية التحتية المالية والاجتماعية في مصر.
من السلع إلى النقد: تقييم القوة الشرائية في تحول نظام الرفاهية في مصر
حتى بعد سنوات من تقليص سلة السلع المدعومة، كانت السلة الأساسية النهائية المتاحة قبل التحول إلى النظام القائم على النقد في عام 2013 تتألف من 2 كيلوجرام من الأرز، و2 كيلوجرام من السكر، و50 جرامًا من الشاي، و1.5 لتر من زيت الطهي لكل شخص شهريًا⁴.
دفع المواطن مقابل هذه الحزمة الأساسية 10 جنيهات مصرية (1.49 دولار أمريكي) مقابل سلع تُقدر قيمتها بـ 33.25 جنيهًا مصريًا (4.96 دولار أمريكي)، مما يعني استفادته من دعم قيمته 23.25 جنيهًا مصريًا (3.47 دولار أمريكي) خلال السنة الأخيرة من عمل نظام التموين بصيغته الأصلية قبل الانتقال إلى النموذج القائم على النقد⁵. على الرغم من أن معدلات التضخم تُعتبر مؤشرًا جيدًا للاتجاهات العامة للأسعار وغالبًا ما تُستخدم في الدراسات، فإنه يجدر الإشارة إلى أنها قد لا تعكس بشكل كامل الفجوة بين التضخم التراكمي والأسعار الفعلية، خاصة فيما يتعلق بالمواد الغذائية. تنبع هذه الفجوة جزئيًا من تعديل البنك المركزي المصري في حسابات مؤشر أسعار المستهلك (CPI)، حيث تم تقليل وزن المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية من 39.9% في السلسلة التاسعة لمؤشر أسعار المستهلك (التي بدأت في يناير 2010) إلى 32.7% في السلسلة العاشرة (التي أُطلقت في سبتمبر 2019).⁶ ⁷ تشير هذه التعديلات إلى أن مؤشر أسعار المستهلك قد لا يعكس بدقة حدة تضخم أسعار المواد الغذائية وتأثيره على إنفاق الأسر وإمكانية حصولها على السلع الأساسية.
التحدي الثاني الذي يساهم في تضخم أسعار المواد الغذائية في مصر هو انعدام الأمن الغذائي المستمر في البلاد. فمنذ تحرير القطاع الزراعي في أوائل التسعينيات، في إطار برنامج التكيف الهيكلي المرتبط بقرض صندوق النقد الدولي لعام 1991⁸، أصبحت مصر تعتمد بشكل متزايد على استيراد المحاصيل الأساسية وتصدير المحاصيل النقدية. وقد جعل هذا الاعتماد سوق الغذاء في البلاد عرضة بشكل كبير للصدمات الخارجية في الإمدادات وتقلبات العملة.
حاليًا، تستورد مصر 42% من احتياجاتها من الحبوب ونسبة مقلقة تبلغ 74% من احتياجاتها من الزيوت النباتية⁹. وبينما يمكن تفسير هذا الاعتماد الكبير على الواردات، إلى جانب تخفيض قيمة العملة واضطرابات سلاسل التوريد — مثل تلك التي تسبب فيها الغزو الروسي لأوكرانيا — كأسباب وراء تجاوز أسعار سلع مثل زيت الطهي لمعدلات التضخم بهوامش كبيرة (كما هو موضح في الرسم البياني 2)، فإنه لا يفسر بالكامل اتجاهات مماثلة في السلع التي كانت مدعومة سابقًا مثل السكر، حيث يتم استيراد 27% فقط من احتياجات البلاد، أو الأرز، حيث لم تتجاوز الواردات 10% من إجمالي الاستهلاك خلال سنوات التسويق 2022/23 و2023/24. تشير “سنة التسويق” إلى فترة مدتها 12 شهرًا تُستخدم لتتبع الإنتاج الزراعي والتجارة والاستهلاك. بالنسبة للأرز في مصر، تمتد سنة التسويق من أكتوبر إلى سبتمبر، بما يتماشى مع دورات زراعة المحصول وحصاده¹⁰ .
إن فجوة التضخم في الأرز، على وجه الخصوص، حيث الاكتفاء الذاتي مرتفع نسبيًا، لا يمكن تفسيرها بأي عوامل أخرى ، مما يشير إلى أن نظام التموين القائم على السلع، الذي أتاح الوصول إلى السلع بأسعار معقولة، كان يشكّل عامل كبح لتضخم أسعار السلع المدعومة. ومع التحول في نظام الدعم، تم إزالة هذا الكبح، مما سمح لتضخم أسعار الغذاء بالارتفاع بشكل كبير.
كما هو موضح في الرسم البياني 2، ¹¹ فإن الأسعار المستخلصة من معدلات التضخم العامة أقل بكثير من الأسعار الفعلية لهذه السلع. وعلى الرغم من أن معدل التضخم التراكمي البالغ 435% على مدار 11 عامًا يُعتبر مرتفعًا للغاية، إلا أنه لا يعكس بشكل كامل الانخفاض الفعلي في القوة الشرائية. حيث سجلت أدنى السلع الثلاث – الأرز – تضخمًا بنسبة 667%، بينما سجلت أعلى السلع – الزيت – تضخمًا تجاوز 1294%.
بافتراض أن نسبة الدعم في نظام التموين القديم — والتي تمثل الحصة من تكلفة السلة التي تغطيها الحكومة مقابل ما يدفعه المواطن — ظلت ثابتة عند 69.9%، فإن قيمة الدعم لنفس السلة من السلع كانت سترتفع من 23.25 جنيهًا مصريًا (3.47 دولار أمريكي) إلى 231 جنيهًا مصريًا (4.7 دولار أمريكي) بسبب التضخم¹² . في النظام القائم على السلع، يعني ذلك أن المستفيد سيحصل فعليًا على سلع قيمتها 330.5 جنيهًا مصريًا (السعر في السوق)، لكنه سيدفع فقط 99.5 جنيهًا مصريًا (2 دولار أمريكي). بالمقارنة، في النظام القائم على النقد، يحصل المستفيدون الآن على 350 جنيهًا مصريًا (حوالي 40 دولارًا أمريكيًا) نقدًا، وهو ما يبدو أعلى وأفضل للمستفيد. ومع ذلك، نظرًا لأن القوة الشرائية للمخصص النقدي غير محمية من تضخم أسعار الغذاء، فإن الدعم النقدي في النهاية يقدم قيمة أقل من الناحية الحقيقية. وبينما يبدو النظام القائم على النقد أكثر سخاءً، فإنه قد يكلف الدولة أكثر دون أن يوفر للمستفيدين نفس الفوائد المعدلة حسب التضخم التي يقدمها النظام القائم على السلع.
إن التقلب الواضح في أسعار المواد الغذائية الأساسية هو ما جعل نظام التموين ذا قيمة خاصة، حيث وفر تأثيرًا عازلًا من صدمات الأسعار الحادة، وهو ما لا يمكن لأنظمة الدعم القائمة على النقد أن تقدمه. يعود ذلك إلى أن الأنظمة القائمة على النقد تحافظ على المبلغ النقدي المقدم حتى في الأوقات التي يجعل فيها التضخم هذا النقد أقل فعالية في تأمين الاحتياجات الغذائية، بينما تضمن الأنظمة القائمة على السلع تلبية الاحتياجات الغذائية.
الفعالية
على الرغم من أن نظام التموين شهد تسربًا كبيرًا — قُدر وفقًا لدراسات البنك الدولي بحوالي 29% في عام 2008 — إلا أن البنك الدولي أشار أيضًا إلى دوره في إبقاء حوالي 9% من المصريين فوق خط الفقر. وبحلول عام 2014، اعترف البنك الدولي بأن الإصلاحات الأخيرة قد قللت من أوجه القصور، وأكد على دور نظام الدعم في دعم الفقراء. ورغم هذا التقدم، فإن مشروع البنك الدولي لتحويل الدعم إلى نظام مخصصات نقدية — بهدف الحد من التسربات والقضاء على السوق السوداء — قلص قيمة الدعم من 23.25 جنيهًا مصريًا في النظام القائم على السلع إلى 15 جنيهًا مصريًا فقط لكل فرد، بانخفاض فوري قدره 35.5%. وقد أدى هذا التخفيض في الدعم المباشر لكل شخص إلى إضعاف قدرة النظام على حماية الفقراء، مما أدى على الأرجح إلى تفاقم معدلات الفقر. ولتخفيف هذه الآثار، رافق الإصلاح إدخال برنامجي التحويلات النقدية “تكافل” و”كرامة”، اللذين استهدفا على التوالي مساعدة الأسر التي تعيش في فقر مدقع والأشخاص ذوي الإعاقة. لقد أسهمت قيمةُ المدفوعات المُقدمة لكل فرد، والتي كانت سخية نسبيا، في كسب هذا البرنامج شعبية واسعة في مراحله الأولى.
تهدف هذه الدراسة إلى مقارنة مدى فعالية النظام القائم على السلع والنظام القائم على النقد في حماية الفقراء من التضخم ومنع ارتفاع معدلات الفقر. نقوم بذلك من خلال النظر في أمرين: القيمة المقدرة للدعم في النظام القائم على السلع (لو استمر وتم تعديله وفقًا للتضخم) والقيمة الفعلية للدعم في النظام القائم على النقد. نستخدم العام 2013/2014 كنقطة بداية، حيث كان آخر عام قبل التحول إلى النظام القائم على النقد، مما يتيح لنا رصد الظروف التي سبقت الانتقال مباشرة.
كما هو موضح في الرسم البياني 3، فإن النظام القائم على السلع أكثر فعالية بكثير في حماية المستفيدين من التضخم. فعلى مدار 11 عامًا، تجاوزت قيمة الدعم النقدي قيمة الدعم السلعي في عام واحد فقط، وهو 2019/2020. لو تم تعديل النظام القائم على السلع وفقًا للتضخم، لكان قد وفر دعمًا بقيمة 101.2 جنيهًا مصريًا في عام 2023/2024، بينما وفر النظام القائم على النقد 50 جنيهًا فقط. وهذا يعني أنه بحلول عام 2023/2024، كان النظام القائم على النقد يقدم فقط 11% من الدعم الذي كان سيقدمه النظام القائم على السلع لو تم الحفاظ عليه.
تم اقتراح قسائم الغذاء كنموذج بديل في بعض التقارير السياسية، لكنها لم تلقَ قبولًا واسعًا، خاصة بسبب فكرة الاستهداف الذاتي التي تميز قسائم الغذاء. تأتي هذه الفكرة من أن قسائم الغذاء غالبًا ما توفر الوصول إلى منتجات ذات جودة أقل، مما يثني أولئك الذين لا يحتاجون حقًا إلى المساعدة عن استخدامها. ومع ذلك، في نظام تموين قائم على النقد، يصبح تأثير الاستهداف الذاتي أقل فعالية لأنه يحد أيضًا من المتاجر التي يمكن استخدام القسائم فيها، مما يقلل من إمكانية الوصول والجاذبية بشكل أكبر¹³. ومع ذلك، فإن قسائم الغذاء ستكون عرضة للتضخم بنفس الطريقة التي يكون بها أي نظام قائم على النقد. ويرجع ذلك إلى أنه حتى إذا تم ربط المخصص النقدي بمعدل التضخم، فإن حقيقة أن تضخم أسعار الغذاء أعلى بشكل مزمن من التضخم العام ستؤدي إلى تآكل قيمة الدعم، مع كون الطريقة الوحيدة للتخفيف من هذا التأثير هي ربط الدعم بمعدلات تضخم أسعار الغذاء بشكل مباشر. في هذه الحالة، يصبح البقاء مع النظام القائم على السلع الخيار الأفضل، لأنه يوفر أيضًا استقرارًا إضافيًا من خلال تحديد حد أدنى للأسعار، بالإضافة إلى قدرة أفضل للحكومة على المساومة عند شراء هذه السلع.
نظرًا للطبيعة المعقدة لبرنامج كرامة وغياب البيانات الواضحة، يمكننا لفهم مدى ضعف التحويلات النقدية دراسة نظام تكافل المخصص للأشخاص ذوي الإعاقة وقيمته مقارنةً بنظام التموين القائم على السلع.
يُظهر الرسم البياني 4 التأثير السريع للتضخم في تقليص فعالية الأنظمة القائمة على النقد، ويؤكد مخاوف الأشخاص الذين خشوا أن تكون الأنظمة النقدية بمثابة مدخل خلفي لتقليل الدعم والحماية الاجتماعية فعليًا. فعند تقديمها، وفرت معاشات كرامة دعمًا يعادل 1500% من الدعم الذي قدمه نظام التموين القائم على السلع، وهي زيادة كبيرة صُممت لجعل التحويلات النقدية أكثر شعبية وجاذبية لجمهور متشكك. ومع ذلك، انخفضت هذه النسبة إلى 67.8% فقط خلال عقد من الزمن على الرغم من الزيادات المتتالية. في الواقع، وعلى الرغم من تلك الزيادات¹⁴، كان على التحويل النقدي أن يرتفع إلى 1524 جنيهًا مصريًا في عام 2024 للحفاظ على نفس القيمة التي كانت لديه في عام 2014، أي أكثر من ضعف قيمته الحالية البالغة 740 جنيهًا مصريًا¹⁵. ويؤكد هذا الانخفاض السريع صحة شكوك المواطنين التي وردت في استطلاع عام 2006، حيث اعتبروا أن تعرض التحويلات النقدية للتضخم ليس مشكلة على الحكومة حلها، بل ميزة تسعى لاستغلالها.
الكفاءة
يجب قياس كفاءة أي برنامج اجتماعي بناءً على الهدف الذي يسعى لتحقيقه لحماية المواطنين، وفي هذه الحالة، الفقر. لقياس ذلك، نقوم بحساب نسبة دخل خط الفقر¹⁶ التي يمكن لبرنامج واحد تغطيتها بمفرده، وبالتالي قدرته على إخراج الناس من دائرة الفقر.
كما هو موضح في الرسم البياني 5، على الرغم من أن النظام القائم على السلع (GB) لم يكن مصممًا لتغطية نسبة كبيرة من خط الفقر، إلا أن قدرته على إبقاء الناس خارج دائرة الفقر تتراجع بشكل طفيف للغاية مع مرور الوقت. وعلى الرغم من أن هذا الحساب يفترض أن الإنفاق يواكب التضخم، إلا أننا لا نستطيع حساب التأثير الكمي لإزالة دعم نظام السلع في عام 2014 على الحد الأدنى للأسعار والتضخم الناتج، حيث إن احتساب التضخم الفعلي للسلع كان من المفترض أن يحافظ على التغطية عند مستويات 2013/2014.
أما نظام المخصصات النقدية (AB)، الذي تم تطبيقه على مدار العقد الماضي، فقد شهد انخفاضًا كبيرًا في فعاليته. وبحلول نهاية الفترة، انخفضت قيمته إلى حوالي ثلث كفاءته الأصلية، ولم يوفر سوى نصف مستوى الدعم الذي كان يقدمه النظام القائم على السلع (GB). يبرز هذا الانخفاض ضعف النظام النقدي أمام صدمات التضخم، حيث فشل في مواكبة ارتفاع تكاليف السلع الأساسية. ومع ذلك، يُعد النظام الأكثر ضعفًا هو نظام كرامة، الذي شهد انخفاضًا في كفاءته بأكثر من 46% على مدار العقد. حيث انتقل من تغطية ما يزيد عن خط الفقر الشخصي عند تقديمه إلى أقل من نصف خط الفقر المتوقع في عام 2024. من المهم أيضًا الإشارة إلى أن القيم الخاصة بمعدلات الفقر وخط الفقر لعامي 2023 و2024 مأخوذة من تصريحات رسمية وخطوط فقر معدلة وفقًا للتضخم على التوالي. تم استخدام هذه القيم بدلاً من إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) التي تأخرت لأكثر من عام، مما دفعنا إلى استخدام تقديرات بديلة.
الارتفاع الكبير في معدلات الفقر من 27% إلى 35.8% ¹⁷ خلال عقد من الزمن يعد أيضًا دليلًا على فشل هذا الانتقال إلى الأنظمة القائمة على النقد، حيث تم دفع حوالي 10 ملايين شخص تحت خط الفقر خلال العقد، ما يعادل إفقار مليون مواطن سنويًا.
يسلط هذا الواقع الضوء على القيد الأساسي للتحويلات النقدية في الاقتصادات التي تعاني من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي أو التضخم المزمن. فالتحويلات النقدية لا توفر نفس مستوى التحكم في الأسعار الذي يقدمه الدعم القائم على السلع، مما يترك المستفيدين عرضة للتضخم. في المقابل، يمكن لنظام دعم مُدار بشكل جيد أن يعمل كحد أدنى للأسعار للسلع الأساسية، مما يضمن بقاء الأسعار ضمن نطاق معين بغض النظر عن العوامل الخارجية. وهذا أمر بالغ الأهمية في اقتصادات مثل مصر، حيث يمكن لتقلب الأسعار في الأسواق العالمية — خاصة في الغذاء والطاقة — أن يؤثر بشكل غير متناسب على الشرائح الأكثر فقرًا في المجتمع.
الخاتمة
يمكن استخلاص ثلاث استنتاجات رئيسية من البيانات والدراسة ككل.
أولاً، على الرغم من الادعاءات بعكس ذلك، فإن إدخال نظام المخصصات النقدية كان يهدف إلى تقليل مقدار الدعم لكل مواطن، كما يتضح من تخفيض قيمة الدعم من النظام السلعي (GB) إلى النظام النقدي (AB) من 23.5 جنيهًا مصريًا إلى 15 جنيهًا مصريًا عند إطلاق البرنامج. كما يُظهر أن المواطنين يدركون جيدًا المخاطر التي تهدد برامج الحماية الاجتماعية، حتى عندما يتم تغليفها بمصطلحات محاسبية.
ثانيًا، حقيقة أن معدلات تضخم السلع المدعومة تجاوزت معدلات التضخم العام بأضعاف بعد الانتقال من النظام السلعي (GB) إلى النظام النقدي (AB) تشير إلى أن الدعم في إطار نظام التموين لم يكن يخفض الأسعار للمستفيدين فقط، بل عمل أيضًا كعامل استقرار للأسعار في السوق بشكل عام. فمن خلال تثبيت الأسعار عند نقطة أقل، كان للنظام السلعي تأثير واسع على السوق، مما حافظ على انخفاض أسعار السلع المدعومة حتى بالنسبة لأولئك الذين هم خارج نظام التموين. أدى إلغاء هذا الدعم إلى اختلال هذا التوازن، مما ساهم في زيادات غير متوقعة في الأسعار يجب أخذها بعناية عند تصميم سياسات انتقالية مماثلة.
ثالثًا وأخيرًا، الأنظمة القائمة على النقد معرضة بشدة للتضخم، ونظرًا لأن الطريقة الوحيدة لمكافحة ذلك هي ربط قيمة التحويلات النقدية بمعدل التضخم، فإن هذا الإجراء يتعارض مع سياسات التشديد النقدي التي غالبًا ما تُستخدم لمواجهة التضخم. وبالتالي، يمكن القول إن التحويلات النقدية غير مناسبة تمامًا للاقتصادات التي تعاني من تضخم مزمن. هذه النتائج ليست مفاجئة بشكل خاص، حيث إن حلول صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تعتمد غالبًا على افتراضات دوغمائية تتجاهل السياقات المحلية وتفاعل السياسات المختلفة داخل الحزمة نفسها. فعلى سبيل المثال، يُفترض أن تخفيض قيمة العملة يعزز القدرة التنافسية، والصادرات، ويحسن ميزان المدفوعات من خلال تقليل تكاليف الإنتاج، لا سيما العمالة. ومع ذلك، في الواقع، يمكن أن يؤدي تخفيض قيمة العملة إلى تقليل تكاليف العمالة، ولكنه قد لا يؤثر بشكل كبير على عوامل أخرى مثل الآلات أو المواد الخام، خاصة في الدول التي تعتمد على الواردات.
في مصر، على سبيل المثال، فإن ارتفاع تكاليف السلع المستوردة، المدفوعة بعملة أجنبية أقوى، يمكن أن يُعادل أي تخفيض في تكاليف العمالة، مما يزيد من الفقر وانعدام الأمن الغذائي. حقيقة أن هذه التوصيات السياسية اقترنت بإصلاحات للدعم تقلل أيضًا من الأمن الغذائي وترفع أسعار الغذاء، مما يضعف شبكة الأمان الاجتماعي قبل أن تواجه ضغوطًا متزايدة، تبدو كأنها محاولة متعمدة لتفكيك شبكة الأمان بدلًا من إصلاحها. وكثيرًا ما وجه معارضو هذه السياسة في مصر اتهامًا لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بأنهم تجاهلوا باستمرار أهمية ضمان آليات حماية اجتماعية قوية كافية لحماية الشرائح الأشد فقرًا في المجتمع من الآثار السلبية للإصلاحات الاقتصادية.
من هذه الاستنتاجات، تنبثق ثلاث توصيات سياسية رئيسية:
١. عند التحول إلى نظام التحويلات النقدية، من الضروري التأكد من أن زيادات المخصصات النقدية مرتبطة تحديدًا بمعدلات تضخم الغذاء بدلاً من التضخم العام، للحفاظ على فعالية البرنامج. هذا التمييز بالغ الأهمية لأن تضخم أسعار الغذاء — خاصة السلع التي كانت مدرجة سابقًا في نظام التموين السلعي — يميل إلى تجاوز التضخم العام، مما يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للتحويلات النقدية إذا لم يتم تعديلها وفقًا لذلك. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تصاحب هذه التحولات أشكال من تنظيم الأسعار للتخفيف من التأثيرات الواسعة لإزالة الدعم، مثل الارتفاع الكبير في أسعار السلع الأساسية. يضمن هذا النهج المزدوج أن تظل أنظمة التحويلات النقدية بديلًا قابلاً للتطبيق مع حماية الفئات الأكثر ضعفًا من زيادات الأسعار المفرطة.
٢. في حالات التضخم المزمن، يُعد الحفاظ على نظام الدعم السلعي مع منع التسربات وتعزيز الرقابة أكثر فائدة من إصلاح النظام بشكل جذري، خاصة وأن التوفير في الإنفاق الحكومي قد يأتي بتكلفة عالية جدًا من حيث الفقر، الحماية الاجتماعية، والسلام الاجتماعي.
٣. يجب أن تتم أي إصلاحات لنظام الدعم بالتوافق مع رغبات المواطنين واحتياجاتهم ومتطلباتهم، حيث إن أي نهج عام مفروض خارجيًا محكوم عليه بالفشل.
مراجع
- Mohammed Sha’ban, “Alya Al Mahdi: Cash Subsidies are not a Problem and 85% of Families rejected in 2006”. Shorouk. October 6th 2024. At: https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=06102024&id=b1ab4e1a-c58a-4066-a8ae-b5aadc774f4c
- Dr. Aliaa Al Mahdy, APS Lecture. At: https://www.youtube.com/watch?v=zAisPNUWDug
- World Bank. 2010. Egypt’s Food Subsidies: Benefit, Incidence, and Leakages. Washington, D.C. PI-6.
- https://gate.ahram.org.eg/News/339194.aspx
- Calculations based on April2013 exchange rate of 1USD=6.7EGP
- Release of the 10th CPI. Central Bank of Egypt. At https://www.cbe.org.eg/en/monetary-policy/inflation/release-of-the-10th-cpi#81E8ADB1A3734A2C97BA34AC1002E751
- Central Authority for Public Mobilization and Statistics. Income, Expenditure, and Consumption Research 2017/2018.P 21.
- “ARAB REPUBLIC OF EGYPT STRUCTURAL ADJUSTMENT LOAN 1991-1994 PROJECT COMPLETION REPORT 1999-2001” (Abidjan, Côte d’Ivoire: African Development Bank, March 1999). At: https://www.afdb.org/fileadmin/uploads/afdb/Documents/Project-and-Operations/ADB-BD-IF-99-130-EN-EGYPT-PCR-SAL.PDF
- Hatab, Assem Abu & Hess, Sebastian, 2021. ““Feed the Mouth, the Eye Ashamed”: Have Food Prices Triggered Social Unrest in Egypt?,” 2021 Conference, August 17-31, 2021, Virtual 315082, International Association of Agricultural Economists. P4
- United States Department of Agriculture. Egypt: Grain and Feed Update. Global Agricultural Information Network. November 15th 2023. At: https://apps.fas.usda.gov/newgainapi/api/Report/DownloadReportByFileName?fileName=Grain%20and%20Feed%20Update_Cairo_Egypt_EG2023-0025.pdf
- Inflation Rates extracted from Central Bank of Egypt Inflation. April of Every year was chosen as a base as it is the latest data present when the budget is formulated. At: https://www.cbe.org.eg/en/economic-research/statistics/inflation-rates/historical-data
- Based on October 2024 rate of 1USD=48.5 EGP
- World Bank. 2010. Egypt’s Food Subsidies: Benefit, Incidence, and Leakages. Washington, D.C. PIII-4
- https://www.almasryalyoum.com/news/details/2833291
- https://www.elwatannews.com/news/details/7134436
- https://www.capmas.gov.eg/Pages/IndicatorsPage.aspx?Ind_id=1122
- https://aps.aucegypt.edu/ar/events/110/open-panel-discussion-at-aps-on-poverty-figures-in-egypt-an-inflation-driven-increase
حقوق الصور:
الصورة على الموقع: تصوير روجر أنيس/Getty Images
الصورة على غلاف ملف PDF: المصوّر إسلام صفوت/Bloomberg