حول ضرورة إعادة النظر في دور البنوك في الاستجابة للجائحة

حول ضرورة إعادة النظر في دور البنوك في الاستجابة للجائحة

بقلم: ايمي عقداوي، تحالف آراب واتش وسيدهارث أكالي، تحالف حقوق الإنسان في التنمية وجوسلين سوتو ميدالو، مشروع المساءلة الدولي

نشر في: https://www.devex.com/news/opinion-we-need-to-audit-development-banks-role-in-pandemic-response-103420


عندما باغتنا فيروس كوفيد 19،  لم يكن العالم على استعداد وساد غموض بشأن ما سيلي هذه الجائحة، ولكن اتضح بعد مرور عامين أنه من الضروري العمل بسرعة من أجل الوقاية والتحضير للجائحة المقبلة، لكن الأهم من ذلك يكمن في أخذ العبرة وفي تفادى تكرار نفس الأخطاء. 

ومن المقرر أن يوافق مجلس إدارة البنك الدولي هذا الشهر على ورقة البيضاء تتعلق بمقترح لإنشاء وتفعيل قبل متم العام الحالي لصندوق وساطة مالية (FIF) لدعم جهود الوقاية من الأوبئة والتأهب والاستجابة لها أو ما يعرف اختصارا بـPPPR. وقد تمت مناقشة هذا المقترح في ماي خلال القمة العالمية الثانية حول كوفيد 19، حيث التزمت الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية وألمانيا بالمساهمة بمليار دولار في هذا الصندوق.

ويهدف هذا المقترح إلى لعب دور محوري في دعم أنشطة البنوك متعددة الأطراف استنادا للمنطق القائل بأن هذه المؤسسات، ولاسيما البنك الدولي، تشكل أكبر مصدر للتمويل الخارجي لدعم جهود الوقاية والتأهب والاستجابة للأوبئة في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط كما أنها في موقع يؤهلها لمواصلة لعب هذا الدور مستقبلا. 

إلا أن، العديد من المجموعات الشعبية والحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم تتساءل حول الدور الذي يمكن أن تلعبه بنوك التنمية المتعددة الأطراف في تمويل الوقاية والتأهب والاستجابة للجائحة وكيف يمكن لها أن تتدخل وبأي شروط؟

وأوضح تقرير تحت عنوان “الإيصالات المفقودة“- الذي ساهمت فيه أكثر من 20 منظمة من خلال تسليط الضوء على أهم الاتجاهات بشأن تمويلات بنوك التنمية المتعددة الأطراف للاستجابة لكوفيد 19- أن  هذه البنوك قامت بتكرار نفس الأخطاء وبتعميق المشاكل البنيوية بما فيها النقص في الشفافية واللامساواة وارتفاع المديونية.

وأشار التقرير على الخصوص إلى صعوبة معرفة كيفية استخدام الأموال على المستويين الوطني والمحلي في ظل فشل البنوك وعملائها في تتبع ونشر البيانات بشكل دقيق، حيث تعطي بنوك التنمية متعددة الأطراف الأولوية لصرف القروض بسرعة بشكل لايستجيب لمقتضيات الافصاح عن المعلومة. 

ويتضح أن العديد من الدول والحكومات تتكتم عن المعلومة حول الجائحة مستعملة قيود الحجر الصحي كذريعة للتضييق على حرية الصحافة ومنظمات المجتمع المدني، ما أدى إلى تهيئة مناخ ملائم للخروقات والفساد والذي تفاقم بسبب غياب الشفافية لدى بنوك التنمية المتعددة الأطراف والتي فشلت في وضع آليات تتبع فعالة لضمان الامتثال للضمانات الاجتماعية والبيئية الأساسية. 

وقد فضلت العديد من بنوك التنمية المتعددة الأطراف نموذجا يعطي الأولوية للقطاع الخاص قبل غيره خلال الجائحة، من خلال التركيز على دعم الاستثمار الخاص عوض مساندة الحكومات على بناء القدرات لتوفير الصحة والتعليم وباقي الخدمات، حيث لم يشكل دعم هذه البنوك في مجال الحماية الاجتماعية عموما سوى جزء صغير من التمويل الذي منحوه. 

وفي العديد من الحالات، تمت اتخاذ تدابير الحماية الاجتماعية بتمويل من بنوك التنمية المتعددة الأطراف دون الأخذ في عين الاعتبار ضمانات الشمولية والولوج ما ترك مجموعات مهمشة عرضة لعواقب الجائحة بمن فيهم شغيلة القطاع غير المهيكل والنساء واللاجئين والمهاجرين وذوي الاحتياجات الخاصة والشعوب الأصلية، وحتى في الحالات التي قدمت فيها هذه البنوك قروضا للحكومات، غالبا ما تذهب هذه المبالغ لصالح القطاع الخاص. 

إن صندوق الوساطة المالية الذي يعطي أفضلية لبنوك التنمية المتعددة الأطراف – والذي يحتضنه البنك الدولي- من شأنه أن يكرر أخطاء الماضي ويعرض الفئات الهشة للمزيد من التهميش. لذلك، نحن بحاجة إلى تحقيق مستقل ينظر في انفاق هذه البنوك خلال الجائحة ويفتحص تأثيرها على أرض الواقع قبل إعطاء هذه المؤسسات التمويلية دورا في التعافي أو مواجهة الأوبئة المقبلة. 

ولكن، بالنظر إلى أن مشاورات البنك الدولي بشأن صندوق الوساطة المالية لم تدم سوى أسبوعين، حيث أنه من المرتقب الموافقة على الصندوق الجديد في يونيو، يسود قلق بشأن السرعة التي دارت بها هذه المشاورات بسبب ما تم وصفه بدورللبنك الدولي والبنوك المشابهة في فرض الأمرالواقع. 

إن المجتمع الدولي بحاجة إلى التفكير بشكل نقدي حول طريقة جعل لاستجابة المستقبلية أكثر نجاعة وشمولية، اذ يجب انفاق المبالغ الممنوحة لدعم جهود الوقاية والتأهب والاستجابة للأوبئة بطريقة ديموقراطية ومسؤولة في انسجام مع المقاربة الحقوقية. 

فالتحلي بالجدية لتفادي الجائحة المقبلة يقتضي أخذ المحددات الاجتماعية للصحة ومعالجة الأسباب الجذرية لأسوء آثار الجائحة من فقر ولامساواة والتدهور البيئي والتغير المناخي وهيمنة الشركات. 

يجب الحرص على ضمان الحق في الصحة والغذاء والصرف الصحي والحماية الاجتماعية وتوفير مستوى معيشي لائق من خلال تعميم أنظمة الحماية الاجتماعية وتفادي تفويتها للخواص.

وفي هذا الصدد، من الأجدر دعم الحكومات لتمويل هذه الخطوات عن طريق وقف التدفقات المالية غير الشرعية و التهرب الضريبي للشركات والحرص على عدم تضيع هذه الأموال في حال بروز أزمة أخرى من خلال وضع آلية التخفيف من الديون السيادية لصالح الدول المثقلة بالقروض.

إننا بحاجة إلى حلول خلاقة يتم صياغتها من الأسفل إلى الأعلى والتي تأخذ المجتمعات والمجتمع المدني بعين الاعتبار، خاصة الفئات التي تتحمل وطأة الأزمات أكثر من غيرها. إن وضع تمويل جهود الوقاية والتأهب والاستجابة للأوبئة في أيدي بنوك متعددة الأطراف للتنمية- وفق مقاربة تسير من أعلى إلى أسفل وسط تجارب سابقة أوضحة ضعف المشاركة والمحاسبة- يبدو أمرا بسيطا، إلا أن التاريخ يبين لنا أن هذا قد لايكون الحل الذي نحتاجه. 

Sharing is caring!