مصنع تيتان بمحافظة الإسكندرية بمصر: قصة تروى بإيجاز كل ما صار خطأً فيما يتعلق بنظام المسائلة الخاص بمؤسسة التمويل الدولية

مصنع تيتان بمحافظة الإسكندرية بمصر: قصة تروى بإيجاز كل ما صار خطأً فيما يتعلق بنظام المسائلة الخاص بمؤسسة التمويل الدولية

ملخص زمني للأحداث الرئيسية

استثمرت مؤسسة التمويل الدولية في تيتان

تم تقديم الشكوى إلى مكتب المحقق/المستشار في مؤسسة التمويل الدولية

قرر إلى مكتب المحقق/المستشار فتح تحقيق في القضية

بدأت التحقيقات

تخلصت مؤسسة التمويل الدولية من تيتان

يعمل إلى مكتب المحقق/المستشار في مؤسسة التمويل الدولية على إنهاء تقرير التحقيق

تقديم تقرير التحقيق الى المجلس للمصادقة عليه

#المنع_لكل_ الإنتهاكات  #المعايير_البيئية_و_الإجتماعية_مهمة_مثل_المالية

بقلم: ايمي عقداوي، تحالف اراب وتش


قامت مؤسسة التمويل الدولية، وهي القدرة الذراعية لمجموعة البنك الدولى والتي تقوم بالاستثمار في القطاع الخاص باستثمار مبلغ وقدره 120.26 مليون دولار أمريكى في الخطة التوسعية لمصنع تيتان بمصر في عام 2010. تقوم مجموعة تيتان الدولية بتشغيل مصنعين للأسمنت بمصر: مصنع بمحافظة الإسكندرية المطلة على ساحل البحر المتوسط، والآخر بمحافظة بنى سويف في صعيد مصر بالجنوب

يقع مصنع الإسكندرية فى منطقة مأهولة بالسكان تُسمى وادى القمر. يوجد المصنع على مقربة من المنطقة السكنية مما أدى إلى معاناة أهل المنطقة لأعوام من التلوث الناتج عن انبعاثات غبار الأسمنت، هذا إضافة إلى معاناة الأطفال من أمراض الرئة. تتسبب المعدات الثقيلة فى ضوضاء شديدة، بل ووصلت قوة تلك المعدات إلى تصدع العديد من المبانى. يقوم المصنع بتشغيل مولدات الكهرباء التى تعمل بالفحم فى المبنى الخاص به. لجأ قاطنى المنطقة للمحكمة، مستندين إلى أن الشركة ليس لديها الرخصة البيئية التى تمكنها من هذه الممارسات، حيث إن المسافة بين المصنع والمنطقة السكنية أقل من تلك التى يقرها ويسمح بها القانون المصرى

لم تتوقف مشاكل مصنع تيتان عند معاناة المناطق السكنية المحيطة، بل تعدت ذلك لتصل إلى انتهاكات لمعايير العمل الدولية، حيث قام مصنع تيتان بتسريح عدد كبير من العمالة الدائمة واستبدالها بعمالة مؤقتة من خلال شركة مختصة بتوريد العمالة، هذا إضافة إلى عدم تطبيق إجراءات الاحترازات الأمنية المتبعة في مثل هذا النوع من الصناعات، مما عرض صحة العمال للخطر. أودت محاولات التفاوض العديدة والفاشلة مع الشركة إلى لجوء العمال إلى التظاهر والاعتصام السلمى. ولقد لجأت الشركة في واقعة حدثت في عام 2011 إلى طلب الأمن القومى لتفرقة المتظاهرين. قامت قوات الأمن بإطلاق الكلاب على المتظاهرين مما أدى إلى إصابة العديد منه، وفي واقعة أخرى اتهمت الشركة المتظاهرين بإشعال النيران في المصنع حتى بات شبح السجن يهدد العاملين بسبب الاتهامات الموجهة ضدهم، إلا أن المحكمة أخلت سبيلهم

قام سكان منطقة وادي القمر، وعمال مصنع تيتان في عام 2015 برفع شكوى إلى مستشار الامتثال، وأمين المظالم القائم على آلية المسائلة والمحاسبة بمؤسسة التمويل الدولية، ولقد أدرك عمال المصنع أن تلك الخطوة ستتطلب وقتاً طويلاً، إضافة إلى تعرضهم لتبعات الانتقام من قادة الشركة ذوى النفوذ، إلا أن الأمر كان يستحق المخاطرة على أمل أن تأخذ العدالة مجراها، وأن يتم معالجة مظلمهم بما يليق

مرت الشكوى بمراحل مختلفة وفقاً للإجراءات المُتبعة من قبل مستشار الامتثال وأمين المظالم القائم على آلية المسائلة والمحاسبة، وفي خضم تلك الأحداث رفضت الشركة العرض المُقدم من أمين المظالم، والذي ينص على الجلوس والتفاوض مع أصحاب الشكاوى. قرر أمين المظالم والقائم على الأمر في عام 2016 أن يتحرى عن امتثال إدارة مؤسسة التمويل الدولية لمعايير الأداء الخاصة بها فى تيتان بالإسكندرية بدلاً من التحرى عن امتثال تيتان لمعايير الأداء الموضوعة من قبل مؤسسة التمويل الدولية، هذا على الرغم من أن تيتان هي المسئول الرئيسى عن الامتثال لمعايير الأداء الموضوعة من قبل مؤسسة التمويل الدولية، و التى يقتصر دورها على مراقبة أداء تيتان والتأكد من توافق هذا الأداء مع المعايير المنصوص عليها

قام أمين المظالم فى خضم تلك الأحداث بزيارة مصر عدة مرات لمقابلة ممثلين الشركة والمتضررين. تكبد المتضررون، فى كل زيارة، المخاطر التى تنطوى عليها مقابلة فريق أمين المظالم، والخبراء، خوفاً من أن يراهم أحداً معاً فى العلانية، وبناء على ذلك، تمت المقابلة فى أماكن نائية

تطلب الأمر أكثر من عامين لينتهى أمين المظالم من التحقيقات والتقرير، وبنهاية عام 2019 قررت مؤسسة التمويل الدولية التخلص من تيتان. إلا انها لم تفصح عن ذلك، بينما أعلنت شركة تيتان الخبر فى نوفمبر 2019 موضحة إنها أعادت جميع الأسهم المملوكة لمؤسسة التمويل الدولية، كما قامت بتسديد القرض بالكامل

يُعد هذا القرار، بحسب سياسة مؤسسة التمويل الدولية، بمثابة إقرار بعدم مسئوليتها عن حماية مصالح، وسمعة تيتان فى السابق و فى الحاضر على حد سواء، مما ترتب عليه خروج التحقيقات والتقرير عن مسارهما. يصاحب التقرير فى العادة خطة عمل تتبع النتائج التى أسفرت عنها التحقيقات، وبما أن مؤسسة التمويل الدولية لم يعد لها صلة ب تيتان، فلا سلطة لها إذن عليها، ومن هنا توجب أن يتم تحديث التقرير ليعكس ما استجد من أمور

تم الانتهاء من التقرير الخاص بالتحقيقات، و رد إدارة مؤسسة التمويل الدولية على ما ورد ذكره، وخطة العمل في شهر يوليو 2021، وعليه قُدمت جميع المستندات التى ذُكرت سلفاً إلى مجلس الإدارة للموافقة عليها، بدون أية ممانعة، وفي سبتمبر 2021 وافق المجلس على الإفصاح عن التقرير، وخطة البحث

كما هو متوقع، تحقق تقرير التحقيقات من كل ما ذكره المتضررين، إلا أن خطة العمل و رد إدارة مؤسسة التمويل الدولية جاء كما يلى: لقد بذلنا قصارى جهدنا، ولم يعد لنا أية صلة ب تيتان. لقد “غسلنا أيدينا”، ولقد زعمت مؤسسة التمويل الدولية في ردها أنها عملت كثيرا مع تيتان على تحسين الموقف لمخاطبة شكاوى المتضررين، كما زعمت أن كل هذا تم تسجيله قبل أن تقطع مؤسسة التمويل الدولية صلتها ب تيتان. قامت مؤسسة التمويل الدولية بإدراج الدروس المستفادة من هذه القضية، و وعدت. بالإفصاح عن المستندات الخاصة بالمعايير البيئية الموضوعة للاستثمارات، والتي لم تكن متاحة للجميع من قبل. اقترحت مؤسسة التمويل الدولية أيضاً أن تستكمل تيتان العمل على حل ما أُثير من مشاكل، وأن تفصح عن المستندات التي تحتوى على ما أحرزته من تقدم لمخاطبة شكاوى المتضررين، على أن يتم هذا بكامل حرية التصرف ل تيتان

تسلط هذه القضية الضوء على كل ما صار خطأً، وكل ما يمكن أن يصير خطأً في نظام المسائلة الخاص بمؤسسة التمويل الدولية. دعونا ننظر عن قرب للنقاط التالية

عندما قامت مؤسسة التمويل الدولية في عاد 2009 بالتقييم المسبق للاستثمار، لم تقم به بشكل وافى، وشامل، لو فعلت هذا لاستطاعت أن ترصد الجدل الذى أُثير حول الرخصة البيئية ل تيتان، ومخاوف وقلق العمال، ومعاناة المجتمعات السكنية المحيطة ب تيتان

منذ عام 2009 وحتى عام 2015، وهو العام الذى تم فيه تقديم الشكوى رسمياً، قامت العديد من وسائل الإعلام بتغطية تظاهرات العمال. تضمنت الوقائع التي تم تغطيتها إعلاميا اعتصام العمال الذى فرقته أجهزة الأمن.، وعلى الرغم من وجود موظف لمؤسسة التمويل الدولية في مصر، لم تحرك المؤسسة ساكناً، ولم تأخذ أي إجراء، بل اكتفت بالتقرير المكتوب والمُقدم من تيتان، وأظهرت الرضا نحوه. لم تحث الوقائع التي تم تغطيتها إعلامياً مؤسسة التمويل الدولية على التحقق من صحة ما ورد في التقرير الصادر عن تيتان

يتوجب على عملاء مؤسسة التمويل الدولية الامتثال لمعايير الأداء الموضوعة من قبل المؤسسة، كما أن الإلتزام بتلك المعايير يُعد إحدى الالتزامات التعاقدية بين مؤسسة التمويل الدولية وعملائها. لا تقوم مؤسسة التمويل الدولية بتحميل عملائها المسئولية علناً فى حالة خرقهم لهذه المعايير، وذلك من أجل حماية عملائها. يتضمن نظام عقوبات مجموعة البنك الدولى، ومؤسسة التمويل الدولية بند ينص على حظر الأفراد والشركات الذين يرتكبون انتهاكات تستوجب العقوبة، إلا أن تلك الانتهاكات المشار إليها كلها انتهاكات مالية، فمؤسسة التمويل الدولية لا تنظر إلى انتهاكات معايير الأداء الموضوعة من قبلها على أنها انتهاكات تستحق العقوبة
كان يتعين على مؤسسة التمويل الدولية بصفتها المسئولة كمستثمر أن تظل فعالة ومنغمسة فى المشهد، خاصةً بعد كل الأضرار التى تراكمت عبر السنوات حتى يتسنى لها مخاطبة مظالم المتضررين، والتعامل مع الأثار المترتبة على الضرر الذي وقع على العمال، والمجتمعات السكنية. من المثير للسخرية أن مؤسسة التمويل الدولية هى من ناصر موضوعات مثل الأثار المترتبة على الاستثمار، ومبادئ إدارة تلك الأثار، وقد كان هذا فى عام 2019 قبل بضعة أشهر من قطع مؤسسة التمويل الدولية أية صلة تربطها ب تيتان، والمثير للاهتمام أن إحدى هذه المبادئ، (المبدأ السابع) تنص على الأخذ بعين الاعتبار للأثار المترتبة على قرار قطع صلة المؤسسة بأي من عملائها

على الرغم من أن مؤسسة التمويل الدولية قد استفادت من الدروس التى تعلمتها من هذه القضية مما قد يرفع من جودة أدائها فى المستقبل، إلا أن العدالة لم تتحقق، ولم يتم تعويض المتضررين على الأضرار الجسيمة التى نالت من صحتهم وحياتهم. لا يوجد لدى مؤسسة التمويل الدولية دعم للإصلاح أو العلاج، كما أنها لا تُلزم عملائها بذلك

على أية حال، مازال هناك بعض الإجراءات التى تستطيع المؤسسة اتخاذها لمخاطبة مظالم المتضررين ألا و هى تحويل تلك الدروس المستفادة إلى سياسات وممارسات

على الرغم من أن مؤسسة التمويل الدولية فقدت قوتها وسلطتها على تيتان، إلا أنها لازالت تملك قوتها الناعمة. تُعد تيتان شركة دولية كبرى، وتحتاج إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع المؤسسة، وغيرها من المستثمرين الدوليين مثل البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية، والذي يتبع سياسات شديدة الشبه بمعايير مؤسسة التمويل الدولية، وعلى الرغم من أن تيتان الإسكندرية مدعومة من تيتان الدولية، إلا أنها تتبع أرث تيتان الأم، وعليه يتعين عليها الإذعان لنفس المعايير. من الممكن أن تستخدم مؤسسة التمويل الدولية قوتها الناعمة: روابط العمل التي تربطها ب البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية لمخاطبة مظالم المتضررين والعمال

إذا كانت مؤسسة التمويل الدولية جادة في التعلم من الدروس المستفادة من هذه القضية، فلابد لها أن تقوم بسد الثغرات التي تشوب نظام المسائلة والمحاسبة الخاص بها، وتبدأ نقاش جاد حول العوار الذى تم رصده لتأتى بسياسات يتم تطويرها. يجب أيضاً أن يكون هناك إرشادات واضحة، ومسئولة للتعامل مع قرارات الانفصال / قطع الصلة بأي من عملائها، فمثل هذه القرارات لا يجب أن تُفعل في حال تسببها بأضرار جسيمة للمتضررين، لاسيما إذا كانت تلك الأضرار قد تراكمت عبر الأعوام. يتعين على مؤسسة التمويل الدولية أيضاً أن تلزم عملائها بالامتثال لكل الالتزامات التعاقدية بما فيها معايير الأداء الموضوعة من قبل المؤسسة، وأخيرا يجب أن يكون هناك دعم للإصلاح، والعلاج.

Sharing is caring!