تقرير جديد: ملاذنا الوحيد والأخير
ماذا يحدث حين تقع أخطاء في مشروعات التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تسبب مشروعات التنمية الدولية أحيانًا أضرارًا للناس والبيئة. وقد أنشأت المؤسسات التي تمول عمليات التنمية مكاتب مختصة بالمساءلة بهدف تحديد الأضرار الناجمة عن مشروعات التنمية ومعالجتها والتخفيف منها. منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بها أقل عدد من الشكاوى المقدمة إلى آليات المساءلة المستقلة وأقل معدل في أن تؤدي الشكوى لنتيجة.
في أوائل عام 2010، لاحظ المزارعون في إقليم شيشاوة بالمغرب أن مياه الشرب أصبحت متسخة وتغير لونها. في ذلك الوقت٬ كانت تتم إقامة مشروع ضخم بتمويل دولي لعمل طريق سريع بالقرب من مزارعهم٬ وهو الطريق السيار مراكش – أكادير. فبالإضافة لتلوث المياه٬ عانى المزارعون من أضرار أخرى بسبب هذا المشروع. فقد بدأت منازلهم تتصدع بسبب أعمال الإنشاء والمرور٬ وتعرضت بعض الأراضي الزراعية للتجريف٬ وتدمرت عيون المياه والسدود التقليدية٬ وكان عليهم أيضًا أن يقطعوا مسافات أطول للوصول للمناطق الحيوية.علمت إحدى منظمات المجتمع المدني العاملة في المنطقة، وهي مركز التنمية لجهة تانسيفت (المعروف اختصارًا بـCDRT)، أن البنك الأفريقي للتنمية ساهم في تمويل المشروع. علم المركز أيضًا أن البنك به “مكتب مساءلة” يمكن للمجتمعات أن تقدم فيه شكاوى رسمية من الأضرار الناجمة عن المشروعات التي يمولها البنك لكي تتم معالجتها. قدم المركز شكوى بالنيابة عن المجتمعات المتضررة إلى آلية المساءلة المستقلة الخاصة بالبنك الأفريقي للتنمية المسماة بآلية المراجعة المستقلة. طلب المركز في هذه الشكوى حل تفاوضي للمشكلات التي يواجهها المزارعون نتيجة للمشروع. وبعد ست سنوات ونصف، بالتحديد في ديسمبر 2016، تم التوصل لاتفاق تضمن التعهد بإصلاح منازل المزارعين واستصلاح الأراضي الزراعية والحفاظ على مناطق تجمع مياه الري الطبيعية. لقد كان ذلك الاتفاق انتصارًا نادرًا للمجتمع في منطقة نعلم أن الأذى يحدث فيها لكن مثل هذا النوع من الشكاوى نادر والإنصاف أكثر ندرة.
عند تذكر هذه العملية والتفكير فيها، أعرب الدكتور أحمد الشهبوني (رئيس مركز التنمية لجهة تانسيفت) عن فخره بالتنظيم والتعاون الذين كانا ضروريين لتقديم حل ملموس للمجتمع. ولكن عندما تواصل معه البنك الدولي بشأن دعم مجتمع آخر في تقديم شكوى ما، رفض الدكتور الدعوة بأدب قائلا: ، “نحن متعبون، ولن نتولى هذه المهمة لأننا منهكون.” وقد عبر آخرون ممن تم عقد مقابلات معهم عن نفس هذا الشعور الذي عبر عنه د. الشهبوني.
مكاتب المساءلة المرتبطة بمؤسسات تمويل عمليات التنمية تم تصميمها لتحديد الأضرار الناجمة عن مشروعات التنمية ومعالجتها والتخفيف منها. وآليات المساءلة المستقلة هذه تعد آليات جديدة نسبيًا وغير مستخدمة إلى حد كبير٬ لكن هناك حوادث أثبتت بالفعل أن هذه الأنظمة – لو استخدمت بالطريقة المثلى – يمكن أن توفر سبلًا حقيقية وبناءة للإنصاف وجبر الضرر للمجتمعات التي تزعم وقوع أضرار ناجمة عن مشروعات تمولها مؤسسات مالية دولية. ومع ذلك، فإن فعالية هذه العمليات تتباين بدرجة كبيرة وتعتمد على عدد من العوامل منها قوة الشكوى المقدمة والموارد التي تمتلكها المجتمعات التي قدمت الشكوى ومستوى تنظيم تلك المجتمعات، وكذلك وجود منظمات المجتمع المدني ومقدار الدعم الذي تقدمه وموقع المشروع . من العوامل الهيكلية الأخرى التي تؤثر على كفاءة عمليات آلية المساءلة المستقلة قدرة آلية المساءلة المستقلة على إدارة العملية بشكل عادل وفعال، وكذلك مدى استعداد البنك للمشاركة في العملية، وأيضًا احتمالية الانتقام والعنف الذين يواجههما مقدمو الشكاوى.
يتناول هذا التقرير عمليات نظام آلية المساءلة المستقلة المتكامل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وهي المنطقة صاحبة أقل عدد من الشكاوىوأقل معدل من وصول الشكاوى لنتيجة. نسعى لفهم أسباب انخفاض الشكاوى في هذه المنطقة مقارنة بالمناطق الأخرى وما الذي يمكن فعله لتحسين إتاحة وكفاءة آليات المساءلة المستقلة لكي تستطيع المجتمعات المتضررة المضي قدمًا في استخدامها. يجمع هذا التقرير خبرات وآراء حوالي دزينة (دستة) من المجتمعات في خمس قارات ومقابلات متعمقة مع آليات المساءلة المستقلة العاملة في المنطقة وتحليل كل البيانات المتعلقة بالمشروعات والشكاوى المتاحة للجمهور في المنطقة. بيانات الشكاوى والمشروعات مصدرها موقع (Accountability Console) وهو قاعدة بيانات شاملة وضعها مؤلفو هذا التقرير٬ وهذا الموقع يجمع وينظم الشكاوى التي تقدمها المجتمعات من خلال آليات المساءلة المستقلة.
تلقي نتائج هذا البحث الضوء على عدد من العوامل التي تقع في نطاق آليات المساءلة المستقلة والمؤسسات المالية الدولية وتحد من إتاحة وكفاءة الشكاوى في المنطقة٬ بالإضافة إلى قضايا أخرى مختلفة وأوسع نطاقًا متعلقة بالجوانب الهيكلية والحوكمة والجوانب الاجتماعية التي يمكن معالجتها وتخفيفها حدتها من خلال إدخال تعديلات على إدارة الشكاوى بعد تفكير متعمق ومدقق. الدروس المستفادة من هذا البحث يمكن أيضًا أن تدعم المجتمعات المتضررة ومناصريهم في الاشتباك مع نظام آلية المساءلة المستقلة بشكل أكثر كفاءة ورفع احتمالات النجاح .
رغم أن هذا البحث يركز على الشكاوى الموجودة في منطقة جغرافية معينة٬ فإن الكثير من دروسه صالحة بالنسبة لنطاق أوسع منه كثيرًا. فالقضايا التي يواجهها الناس في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منتشرة أيضًا في مناطق أخرى٬ وإن كانت أقل حدة. زيادة إتاحة وكفاءة آليات المساءلة المستقلة مطلوبة في كل مكان٬ لكن الحاجة لهذا أكبر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونأمل أن تلهم نتائج هذه العملية المزيد من البحوث في المستقبل في المناطق الأخرى وأن تعزز دور منظمات المجتمع المدني الدولية والمنظمات غير الحكومية وغيره من العوامل الضرورية لفهم وتحسين أنظمة المساءلة المتكاملة في التمويل الدولي. هذه التحقيقات قد تفيد نظام المساءلة لكي يحقق بشكل أفضل مبدأه الأساسي المتمثل في ضمان سماع صوت المجتمعات في الدفاع عن أراضيها ومواردها وهوياتها الثقافية واحترامها وكرامتها.