حان الوقت ليتخلص صندوق النقد الدولي من الرسوم الإضافية المجحفة وغير الضرورية
بقلم: شيرين طلعت، المديرة التنفيذية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تحالف آراب واتش، و دان بيتون مدير التواصل الدولي لدى مركز البحوث الاقتصادية والسياسية.
نشر في: https://fortune.com/2022/04/22/imf-unfair-surcharges-ukraine-invasion-food-energy-prices-international-talaat-beeton/
بينما تتساقط القنابل تباعا على أوكرانيا ويفر اللاجئون وتتوالى فيه أخبار مهولة حول استهداف المدنيين وتدمير العمران وفي وقت يطالب فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالمزيد من الدعم الدولي، تُجبر فيه الحكومة الأوكرانية المحاصرة على دفع عشرات الملايين من الدولارات كل شهر لأداء رسوم إضافية غير ضرورية لصندوق النقد الدولي.
وبينما أدت الحرب بين روسيا وأكرانيا- وكلاهما من أهم مصدري الحبوب عالميا- إلى المزيد من الارتفاع في أسعار الغذاء والطاقة، تواصل فيه دول تعيش ضائقة مالية كمصر وباكستان في تحويل مبالغ هي في أمس الحاجة إليها لأداء رسوم فرضها صندوق النقد الدولي. فمنذ بداية هذا العام، أوشك المقترضون الخمس للكبار لدى الصندوق (الأرجنتين والإكوادور ومصر وباكستان وأوكرانيا) على دفع 2،7 مليار دولار من الرسوم الإضافية المرتبطة بمدفوعات القروض لصالح صندوق النقد الدولي.
ومن البديهي القول بأنه يمكن لهذه الدول استغلال هذه المبالغ لمواجهة الآثار الصحية والاقتصادية المترتبة على الجائحة، كما كانت ستستفيد منها أوكرانيا للتعاطي مع الغزو العسكري الذي تتعرض له. وحتى قبل الجائحة، كانت 60 دولة تنفق على خدمة الدين أكثر من انفاقها على الخدمات الصحية.
إن العبء الذي تمثله الرسوم الإضافية لايمكن الاستهانة به، حيث تدفع 15 دولة رسوما إضافية للصندوق، الأمر الذي نتج عنه ارتفاع كلفة الدين ب64 بالمائة، ويتوقع مركز البحوث الاقتصادية والسياسية CEPR أن تشكل الرسوم الإضافية قرابة نصف خدمة الدين غير الرسمية التي فرضها البنك على المقترضين الخمسة الكبار لديه.
إن الرسوم الاضافية التي يفرضها صندوق النقد الدولي غير عادلة، لأنها تفرض على دول تواجه تحديات اقتصادية كبيرة، علاوة على النتائج العكسية التي تترتب عن دفعها. ففضلا عن كونها دورية في طبيعتها، فإنه من شأنها كذلك أن تستمر لمدة طويلة وأن تزيد من الانكماش الاقتصادي لأنها تفرض على أقل الدول قدرة على تحملها.
كما تزيد الرسوم الإضافية من كلفة الدين وتقفز بسعر الفائدة مرتين إلى ثلاث مرات مقارنة بسعر الفائدة البالغ حوالي 1 بالمائة التي يفرضها صندوق النقد الدولي على المقترضين. ولا غرابة في ذلك فحتى معهد بيتيرسون للاقتصاد الدولي أكد على أن صندوق النقد الدولي “بحاجة لأخذ زمام المبادرة لحماية استدامة الدين من خلال إعادة النظر غي سياسته المتعلقة بسعر الفائدة والرسوم الإضافية في ما يتصل بالاقتراضات الكبرى التي من المرجح أن تكون مطلوبة بعد الجائحة.”
وتعتبر الرسوم الإضافية غير ضرورية كذلك، حيث يستعمل الصندوق مبرران اثنين لا يصمدان أمام التدقيق.
أولا، يقول صندوق النقد الدولي أنه بحاجة إلى استخلاص الرسوم الإضافية لتمويل عملياته الخاصة. وإذا وضعنا جانبا مصاريف كدفع مبالغ سفر مسؤولي الصندوق في الدرجات العليا لدى شركات الطيران، فإنه من غير المعقول بالنسبة لمنظمة من حجم صندوق النقد الدولي أن يعتمد على دول تواجه صدمات اقتصادية من أجل رفع مدخراته (الأرصدة الاحترازية). وتظهر التحليلات الصادرة عن الصندوق بنفسها أن رفع مبالغ القروض الواجب على الدول الغارقة في الديون أداؤها سيزيد من مخاطر عدم سدادها أو التأخر في ذلك، وهذا من شأنه أن يدفع الصندوق إلى اتخاذ مزيد من الاجراءات لضمات التوازنات الاحترازية.
ولاينبغي على صندوق النقد الدولي الاعتماد على الرسوم الإضافية للحصول على مداخيله، لأن ما تدره هذه الرسوم ضئيل مقارنة بباقي الموارد المالية للصندوق، في حين أن مجموع الديون المستحقة للصندوق سبق وأن بلغت رقما قياسيا يناهز 144 مليار دولار.
ثانيا، يحاول الصندوق تبرير الرسوم الإضافية بالقول بأنها تقلل من مخاطر الإئتمان وتحول دون الاقتراض غير الضروري، إلا أن هذا يتغاضى وجود عوامل على أرض الواقع لاتشجع على الاقتراض من الصندوق بما فيها الشروط الصارمة والمؤلمة التي تجعل الدول لا تلجأ إلى صندوق النقد الدولي إلا في حالة الضرورة القصوى.
إن الرسوم الإضافية تتعارض من مواد اتفاق صندوق النقد الدولي التي تنص على أن قروض الصندوق لا يجب أن تكون مدمرة للازدهار الوطني والدولي. ومع ذلك، من المتوقع أن تصبح الرسوم الإضافية أكثر انتشارا في السنوات المقبلة، وحسب توقعات الصندوق ستدفع 38 دولة هذه الرسوم بحلول 2024، مما سيتسبب في ضغوط مالية من شأنها إضعاف قدرة هذه الدول على التعافي من الصدمات الاقتصادية المتعددة.
وتعد الاجتماعات الربيعية التي يستعد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لعقدها فرصة مواتية لوزراء المالية من أجل الاتفاق على تدبير موحد وبسيط لمساعدة الدول المثقلة بالديون للتخلص من الرسوم الإضافية.
وقد سبق لخبراء اقتصاديين مرموقين مثل جوزيف ستيغليتز الحائز على جائزو نوبل وجاياتي غوش مستشار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن طالبوا بوضع حد للرسوم الإضافية، وقدم أعضاء الكونغريس الأمريكي قانونا لوقف الرسوم الإضافية المرهقة، وحاليا يطالب 160 من منظمات المجتمع المدني حول العالم بنفس الشيء.
إننا نعيش أوقاتا صعبة ومضطربة عالميا، حيث مخاطر ظهور متحورات جديدة لفيروس كوفيد بينما تكافح دول من مختلف أنحاء العالم للتعافي من آثار الحجر الصحي والتقلبات الاقتصادية والحروب الدائة رحاها في عدة مناطق كأوكرانيا واليمن وتفاقم التفاوتات بين الدول.
لذك، فإن التخلص من الرسوم الإضافية المجخفة وغير الضرورية وذات النتائج العكسية المرتبطة بديون صندوق النقد الدولي من أسهل الخطوات التي يمكن اتخاذها لمساعدة الدول الأكثر تضررا في وقت هي أمس الحاجة فيه ليد العون.