عودة للاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي 2022: فشل السياسات وتعزيز المصالح!

عودة للاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي 2022: فشل السياسات وتعزيز المصالح!

رغم كل أشكال الضغط التي مارستها منظمات المجتمع المدني خلال الاجتماعات السنوية أكتوبر 2022 من احتجاجات ومظاهرات وجلسات ونقاشات فتحتها لتسليط الضوء على خطورة الوضع الاقتصادي الراهن وعن السياسات البالية التي لازال يتمسك بها صندوق النقد والبنك الدولي، إلا أن مؤسستي بريتون وودز لم يبادرا بأي خطوات جدية نحو إعادة مراجعة الديون وسياسات الاقراض. 

إن الاستمرار في تجاهل النداءات العاجلة التي نوجهها عن التأثير الخطير لأزمة المناخ واستمرار فرض سياسات التقشف بالاضافة الى تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية على الأمن الغذائي وخطر الإفلاس، يعكس عدم اهتمام هذه المؤسسات وحكومات الدول الأقوى في العالم  بتحقيق تنمية عادلة.

 

حملت منظمات المجتمع المدني من كافة أنحاء العالم جملة من المطالب خلال الاجتماعات السنوية لسنة 2022، المقامة حضوريا في واشنطن بعد أن كانت عن بعد طيلة فترة الكوفيد، وكان على رأسها إنهاء الديون والغاء سياسات التقشف. 

 

خلال “الأسبوع العالمي للحراك حول العدالة وإلغاء الديون” الذي كان متزامننا مع الاجتماعات السنوية، اعتبرت حملة الغاء الديون في بيانها أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي “لازالا مستمرين في العمل بموجب أساليب الماضي، إذ يقدمان قروضاً لمواجهة الطوارئ بدلاً من إلغاء الديون وتقديم الجبر والتعويض المستحقان منذ زمن طويل من السياسات التي جعلت الناس أكثر فقراً وحلت الإمبريالية الاقتصادية محل الاستعمار التقليدي.”

 

كما حذر تقرير دولي حول خفض الموازنة والاصلاحات الاجتماعية ذات الأثر السلبي في 2022- 2025 الصادر من عن حملة انهاء التقشف قبيل الاجتماعات السنوية، أن أكثر من 85 بالمائة من سكان العالم ( يمثل سكان العالم النامي أغلبهم) سيكونون الأكثر تضررا من تطبيق سياسات التقشف حيث ستعيش هذه الدول صدمة اقتصادية سيكون لها تداعيات مباشرة على حقوق الإنسان.

 

نادت عديد من المنظمات, من ضمنها تحالف اراب واتش, بضرورة إصلاح ومراجعة نظام الحصص (Quota) غير العادل لصندوق النقد، وإلى الموافقة على تخصيص جديد لحقوق السحب الخاصة التي من شأنها أن توفر دعما ماليا خاليا من الديون والشروط، لكن يبدو أنه لأسباب سياسية متعلقة بالحرب الروسية فإن الصندوق سيتأخر في الموافقة على هذا التخصيص. وأكدت المديرة العامة لصندوق النقد كريستالينا جورجيفا، في أولى اجتماعاتها مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني بأن أخر موعد لتقديم المشروع الجديد لمراجعة نظام الحصص سيكون في منتصف ديسمبر 2023 وأن التأخر أكثر من ذلك سيمس من مصداقية الصندوق، دون التطرق إلى نقص الديمقراطية والحوكمة داخل الصندوق التي أشار إليها منسق منظمة بريتون وودز بروجكت لويز فييرا.

 

وفي رد حول أزمة الغذاء في العالم وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والحلول المطروحة لتخفيف عبء الديون، طالبت المديرة التنفيذية لتحالف آراب واتش شيرين طلعت من جورجيفا الإلغاء الفوري لسياسة الرسوم الاضافية، لتجيب المديرة العامة برأي مؤيد لهذه السياسة التي تمنع٫ حسب رأيها٫ الدول ذات الدخل المتوسط من الاقتراض المجحف والخلاص السريع. 

 

كحلول سريعة لمجابهة الأزمة الحالية، يروج لـ “الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة” (RST) الذي وصفته قيادة صندوق النقد بأنه ابتكار رائد لدعم الدول التي تمر بأزمات خانقة، في حين وأنه قرض ذي شروط مجحفة يحاول من خلاله الصندوق التأثير على السياسات المناخية والصحية للدول المقترضة، علاوة عن كونه أداة اضافية لاستمرار المديونية. 

 

وفي الشأن ذاته، اعتبرت المديرة العام لصندوق النقد كريستالينا جورجيفا أنه:” بالنسبة للبلدان التي تعاني من أزمة الغذاء، فقد فتحنا على وجه السرعة نافذة لتمويل الطوارئ، هي “نافذة الصدمات الغذائية”، لتوفير التمويل السريع للاحتياجات العاجلة.”

لتؤكد تمشي هذه المؤسسة في أن لا حل لها إلا ابتكار المزيد من القروض وبالتالي المزيد من التبعية، لكن هذه المرة بانحراف واضح في مهام/ولاية الصندوق. 

 

لكن، ماذا لو اقترح المجتمع المدني بدائلا أخرى لمواجهة خطر المجاعة؟ 

في الجلسة التي نظمها تحالف آراب واتش خلال منتدى سياسات المجتمع المدني حول الأمن الغذائي، اعتبر بيورن روثر، مدير قسم في وحدة الاستراتيجية، السياسات والمراجعات التابعة لصندوق النقد الدولي أن الحديث عن السيادة الغذائية لدول الجنوب أمر خطير ولا يجب أن يندرج ضمن استراتيجيات الخروج من الأزمة. لتكون جلية اليوم سياسات صندوق النقد المنصبة في مصلحة الدول الأغنى والأكثر نفوذا في العالم.

 

إن واقع الحرب والصراع النووي الوشيك، وتهديد المجاعة الى جانب التضخم وارتفاع الأسعار يجعلنا اليوم نتعامل لا مع أزمة ظرفية واحدة بل مع “أزمات متعددة polycrisis” تتطلب وضع استراتيجيات مختلفة تماما عما يروج له الصندوق والبنك من إجراءات اقتصادية اصلاحية ساهمت في اثقال كاهل الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط بالديون. 

 

أما عن الانحرافات في سياسات الصندوق التي بدأت تتعمق أكثر مع مزيد تعقد الوضع الاقتصادي العالمي، ناقش عديد النشطاء والمختصين في واحد من أهم الفعاليات التي أقيمت على هامش منتدى سياسات المجتمع المدني: “ سياسة صندوق النقد الدولي وحوكمته في سياق “الأزمة المتعددة”: وماذا بعد؟“ضرورة إنشاء آليات مستقلة للمحاسبة والرقابة من أجل حوكمة الصندوق، حيث أن الحاجة أصبحت واضحة لمعالجة هيكل الحوكمة غير المتوازن وإنهاء «اتفاق السادة» الذي يضمن القيادة الأمريكية الأوروبية في مؤسسات بريتون وودز. 

 

حضرت قضايا المناخ والطاقة بقوة خلال الاجتماعات السنوية لهذه السنة، إذ نظمت طوال فترة الاجتماعات السنوية مظاهرات ومسيرات في جميع أنحاء العالم تحت شعار أكشن داي-يوم التحرك، كما كان يوم 14 أكتوبر يوما عالميا من أجل مطالبة البنك الدولي بإيقاف تمويل مشاريع الوقود والغاز الأحفوري ودعم مشاريع الانتقال الطاقي النظيف. لازال العديد من النشطاء والمنظمات يعتبرون أن البنك لن يتخلى عن مشاريع مربحة في أماكن كثيرة من العالم إلا بمزيد من الضغط وتسليط الضوء على خطر التغيرات المناخية وتسببها في توسيع هوة اللامساواة واللاعدالة.

 

في مقال نشر على صحيفة ذي غارديان، ناشدت جورجيفا أصحاب القرار للتصرف بشكل عاجل وجماعي لمعالجة قائمة طويلة من المشاكل أهمها التضخم والجوع والديون والتغير المناخي. لكن على حسب الصحيفة فإن هناك دلائل قليلة على أن هذا النظام سيقوم بالاستجابة للنداء. فل نتوقع أن الحرب لازلت ستستمر، وأن تأثيرات التغير المناخي ستزيد مع الوقت، كيف للصندوق والبنك ودول مجموعة ال20 أن تتصرف؟

 

بعد الاتفاق المبدئي حول منح قروض لمجموعة كبيرة من الدول من بينها تونس مصر ولبنان، يبدو جليا أن مؤسستي بريتون وودز لن تقدما إلى الدول التي تمر بأزمات خانقة غير الديون والفوائد المتراكمة عليها، وأنهما بذلك يخدمان مصالحا معينة أبعد ما يكون عن مبادئ التنمية المستدامة والعدالة والتشاركية.

إن انهيار دولة اقتصاديا أو إفلاسها التام يعني تداعي العديد من الدول تباعا – وهذا لن يستثني الدول المتقدمة-، فالأزمة الحالية هي أزمة شاملة ومتشعبة أكثر من أي وقت مضى.

 

لازلنا نتمسك بضرورة الغاء الديون والمراجعة العاجلة للسياسات الاقتصادية لهذه المؤسسات واضعين نصب أعيننا العدالة الاقتصادية ومحاربة التفاوت.

Sharing is caring!